كأنها الجمجمة المنخوبة
تهمس فيها الذكر المحبوبة
وهذا من صور الوعي الباطن، وليس من صور العيان.
والذي قاله الكاتب المعروف يخالف الواقع، ولا يؤيد المدرسة الغالية من المصورين، أو مدرسة «السريالزم» على وجه من الوجوه.
فأنا - من جهة - لم أنكر الوعي الباطن ولا موجب لإنكاري إياه، وإنما أنكرت أن يكون وجود الوعي الباطن ملغيا للوعي الظاهر، وللمشاهدات الحسية، والمرئيات العيانية، وأنكرت أن يكون الوعي الباطن ملغيا لقواعد التصوير قديمها وحديثها، فلا تبقى للمصور مزية على الجاهل بفن التصوير؛ لأنهما على حد سواء يهملان التلوين والمشابهة، وأصول الرسم والتمثيل، وأبيت أن أعتقد كما يعتقد الواهمون أن «الوعي الباطن» شيء جديد في هذه الدنيا، وهو هو تلك الملكة الراسخة في قرارة النفوس قبل ظهور التصوير والمصورين، فلم يكن رسوخها هذا حائلا بين المصورين الأقدمين، وبين رؤية الأشياء كما يمثلها العيان.
إن الوعي الباطن ليس من اختراعات هارتمان ولا فرويد، ولا من مصنوعات القرن العشرين ، ولكنه ملكة إنسانية وجدت في مصوري رومة وهولندة وإسبانيا، كما توجد في المصورين المحدثين؛ فلماذا نلغي العيون اليوم ولا نرى الأشياء إلا بالتنجيم والتخمين؟ ومن الذي قال: إن حامل الريشة هو المتخصص في تنجيمات الوعي الباطن دون المعلم والمهندس والطبيب، والكاتب والشاعر وسائر المثقفين وغير المثقفين؟
هذا كلامي عن «الوعي الباطن» لا يدحضه الشعر الذي ذكره الكاتب المعروف، وأراد أن يسلكني به في عداد أولئك المنجمين.
على أن الشعر الذي ذكره الكاتب المعروف يعطي العيان حقه، ويعتمد على الحس، ولا ينسى المشاكلة ولا المشابهة من جانبها الظاهر ولا من جانبها الباطن أقل نسيان.
فالتجويف ملحوظ في قبة الفضاء وفي الجمجمة المنخوبة، وهمس الذكر يقترن بالرأس، ويقترن بالسماء في لياليها المرهوبة، وإذا تسربلت السماء بسربال الرهبة، فالشعور الذي توحيه إلى النفس أقرب شيء إلى شعور الإنسان أمام الرؤى التي أحاط بها عالم الفناء والأبدية.
فالمشابهة الحسية والمشابهة المعنوية متوافرتان هنا كل التوافر، وليس في «السريالزم» أثر للمشابهات، ولا للتوافق بين الرسم والتصوير.
ناپیژندل شوی مخ