وهذه - كما هو ظاهر - حالة من حالات التلباثي، التي يسأل عنها الأديب صاحب الكتاب الذي اقتبسنا منه ما تقدم.
ونحن نترجم التلباثي بالشعور عن بعد، أو «بالنظر البعيد» إذا أردنا تعميم النظر حتى يشمل الرؤية والمكاشفة، أو يشمل ال
Vision
في اصطلاح بعض العلماء النفسانيين.
وهي حالة متكررة يحسها كثيرون ويسجل وقائعها أناس من المتدينين وغير المتدينين. وأشهر القائلين بها في عصرنا كاتب أمريكي ملحد هو أبتون سنكلير
Upton Sinclair
يقيم التجارب التي تثبت النظر على البعد، أو الشعور على البعد، ويسجل فيها سجل تجاربه مع زوجته، حيث كانا يجلسان في مدينتين بعيدتين، ويحيط بكل منهما شهود كثيرون منهم المنكرون ومنهم المصدقون، فيطلب إليه بعضهم أن يرسم شكلا هندسيا، وأن يوجه شعوره إلى امرأته لترسم مثله في تلك اللحظة، ويطوى الرسمان حتى يعلنا بعد ذلك فيتفق في كثير من الأحوال أن يتشابها في الخطوط، وإن اختلفا في الأبعاد كما يختلف المثلث الكبير والمثلث الصغير مع اتفاق الزوايا والنسب الهندسية.
هذه التجارب يقول بها ويسجلها، ويعلنها في الكتب السيارة رجل قلنا: إنه لا يقصد من كلامه تبشيرا بعقيدة أو خدمة لمذهب اجتماعي؛ لأن مذهبه الاجتماعي يقوم على «الفهم المادي» للتاريخ، ولا يحوجه إلى التبشير بهذه الهبات النفسية، بل لعله ينفره منها ويحبب إليه السكوت عنها.
واعتقادنا في «التلباثي» أنه هبة نفسية جائزة لا تناقض العقل، ولا يمنعها العلم بدليل.
لأنها تستند إلى الحس، ولا فرق بينها وبين هبات الحس التي نباشرها كل يوم إلا في طول المسافة، وهو فرق اعتباري غير قاطع بين حالة وحالة، إذ من ذا الذي يستطيع أن يقول: إن الحس ينتهي عند هذه المسافة، ولا يجوز عقلا أن يتعداها ويذهب إلى ما وراءها!
ناپیژندل شوی مخ