الوجه الثاني: أنا نقول قد ثبت آحادها محدثة والمحدث لابد له من محدث فلا يخلو إما أن يكون أحدث نفسه أو غيرها باطل أن يكون أحدث نفسها؛ لأن ما يثير الشك في نفسه محال؛ لأن إن أحدثت نفسها وهي معدومة فالمعدوم لا يؤثر في شيء وإن احدث نفسه بعد وجودها فقد أستغنت وإيجاد الموجود محال، وإن كان غيرها فلا يخلو إما أن يكون فاعلا أو علة وإن كان فاعلا وجب أن يكون متقدما؛ لأن من حق الفاعل أن يكون متقدما على فعله ليصح منه أن يفعله وأن لا يفعله وتخريجه من العدم إلى الوجود إذا سبق جميعها كانت محصورة من قبل أولها وثبت ما قلناه من أنها محدثة وبطل ما ذهبوا إليه.
وإن كان علة فلا يخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة إن كانت قديمة لزم قدم جميعها جملتها وآحادها، وقد دللنا على أنها محدثة واتفقنا على أن آحادها محدثة ثبت حدوث معلولها؛ لأن العلة لا يسبقها معلولها ولا يتقدم عليها، وإلا بطل كونه موجبا عنها، ولا فرق بين أن تكون العلة واحدة أو أكثر من ذلك في أن الدلالة واردة على الجميع.
الوجه الثالث: أنها لا تخلو إمأ أن تكون قديمة جميعها أو محدثة جميعها؛ لأنا قد أتفقنا على أن آحادها محدثة وعلمنا ذلك وباطل أن يكون البعض قديما والبعض محدثا؛ لأن ما ذكرناه في الدعوة الثانية من الدلالة على أن حدوث الأكوان متناولا لجميعها وهي جواز القدم والبطلان عليها فلمك يبق إلا أن تكون محدثة جميعها وهو الذي نقوله.
مخ ۱۹۷