الوجه الثالث: أن الذات تدخل في صحة كونها معلومة لأجل اختصاصها في الصفة الذاتية فلو خرجت عنها لخرجت عن كونها معلومة.
وأما الأصل الثالث: وهو أنه إذا بطل قدمها يثبت حدوثها فالذي يدل على ذلك أنها قسمة دائرة بين النفي والإثبات، وبيان ذلك أنك تقول الموجود لا يخلو إما أن يكون لوجوده أول أم لا يكون، إن كان فهو المحدث وإن لم يكن لوجوده أول فهو القديم، وقد بينا أن الأعراض موجوده فبطل أن تكون قديمة فلم يبق إلا أنها محدثة.
وأما الدعوى الثالثة: وهو أن الأجسام لم تخل من الأعراض المحدثة ولم يتقدمها فالكلام فيها يقع في ثلاثة مواضع:
الأول: في قسم ما يجوز خلو الجسم عنه من الأعراض وما لا يجوز، وبيان حكاية المذهب وذكر الخلاف.
والثاني: في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهبوا إليه.
والثالث: في إبطال قولهم بالهيولي والصورة.
أما الموضع الأول: وهو في قسم ما يجوز خلو الجسم عنه من الأغراض صفات [90ب] وما لا يجوز فاعلم أنها على ثلاثة أضرب من ما يجوز خلو الجسم عنه بكل حال، وإذا وجد فيه جاز خلوه عنه بعد وجوده فيه، وهي الأصوات وجميع ما لا يبقى من الأغراض فإنه يجوز خلو الجسم عنه قبل وجوده، وإذا وجد جاز خلوه عنه بعد ذلك في الوقت الثاني ومنها ما لا يجوز خلو الجسم عنها بكل حال، وهي الأكوان فإنه لا يجوز خلو الجسم في حال من الأحوال، ومنها ما يجوز خلوه عنها بكل حال، وإذا وجد فيه لم يجز خلوه عنه بعد وجوده فيه، فهي الألوان وغيرها من الباقيات فإنه يجوز خلو الجسم عنها؛ لأنه غير محتاج إليها في وجوده، ولا تحيزه، ولكنها باقية، والثاني لا ينتفي إلا بضد وضدها نوعها وقبيلها، فاللون لا ينفى إلا بلون، وكذلك سائرها، ولهذا لم يجز أن تخل عنها بعد وجودها فيه.
مخ ۱۷۹