الوجه الثاني أنها لو كانت منتقلة لم تخل إما أن تكون منتقلة مع الوجوب أو مع الجواز لا يجوز أن تكون منتقلة مع الوجوب؛ لأنه لو وجب لكان إما أن تجب لذات الكون أو لما هو عليه في ذاته، ولو كان كذلك لكان منتقلا أبدا ولم يستقر فيه أصلا، ومعلوم أن المتحيز قد يستقر في الجهة ويطول لبثه فيها، وذلك يقتضي بقاء السكون في الجسم واستمراره فيه، ولا يجوز أن يكون منتقلا مع الجواز بفاعل أو علة، [86ب] أما الفاعل فلا يجوز أن يكون منتقلا بالفاعل بمثل ما أبطلنا به أن يكون الجسم كاينا بالفاعل من أنه لا يقدر على جعل الذات على صفة الآيات يكون قادرا على اتخاذ تلك الدار، فإذا كانت دار الكون عندهم قديمة لم يقدر عليها الفاعل فلا يقدر على جعلها على صفة وغير ذلك من الوجوه المتقدمة، ولا يجوز أن تكون منتقلة لعلة؛ لأن الكلام في تلك العلة كالكلام في الكون فكان يجوز أن يكون منتقلا لعلة أخرى، وتسلسل إلى ما لا نهاية له وذلك محال، فبطل أن تكون منتقلة وبطل أن تكون باقية فيه مع وجود ضدها، فلم يبق إلا أن تكون معدومه؛ لأنا قد بينا أنها قسمة دائرة بين النفي والإثبات، والقسمة إذا دارت بين النفي والإثبات وكانت من القسمة التي تذكر ويراد بها إثبات البعض وإبطال البعض ودل الدليل على بطلان الأقسام إلا واحد منها بغير الحق فيه كما تقدم في طريقة السير.
والأصل الثاني: هو أن القديم قديم لذاته وخروج الموصوف عن صفة ذاته لا يجوز والدلالة مبنية على أصلين:
أحدهما: أن القديم قديم بذاته.
والثاني: أن خروج الموصوف عن صفة ذاته لا يجوز، فالذي يدل على الأول أن القديم لا يخلو إما أن يكون قديما لذاته أو لغيره، والغير لا يخلو إما أن يكون فاعلا أو علة، والعلة لا تخلو إما أن تكون موجودة أو معدومة، والموجودة لا تخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة، والأقسام كلها باطلة سواء أن القديم قديم لذاته، والدلالة مبنية على أصلين:
مخ ۱۷۱