الوجه الرابع: أن العلة إذا كانت موجودة هي كامنة غير موجبة كان إثباتها والحال هذه إثبات ما لا طريق إليه، وإثبات ما لا طريق إليه يفتح باب الجهالات فيجوز أن تكون في الجماد قدرة وعلم وحياة لا طريق لنا إليها؛ لأنها كامنة غير موجبة، والطريق إليها ليس إلا موجبها.
وأما أنه لا يجوز أن تكون منتقلة فلوجهين:
أحدهما: أنها لو كانت منتقلة لكانت متحيزة فالذي يدل على ذلك أن حقيقة الإنتقال هو تفريغ جهة وشغل أخرى، والتفريغ والشغل لا يكون إلا في المتحيزات والدلالة مبنية على أصلين:
أحدهما: أنها لو كانت منتقلة لكانت متحيزة.
والثاني: أنه لا تجوز أن تكون متحيزة.
أما الأصل الأول: وهو أنها لو كانت متنقلة لكانت متحيزة، فالذي يدل عليه أنه لا يجوز أن يثبت لأحد اللفظين ونفي الأخر فلا يجوز أن يقول قائل انتقلت من جهة إلى جهة وما فرغة جهة وإلا شغلت أخرى، أو فرغت جهة وشغلت أخرى، وأما انتقلت بل يعد من قال ذلك لكلامه جاريا مجرى من يقول انتقلت وما انتقلت، أو فرغت وما فرغت، وإن كان الأولى مناقضا في المعنى دون اللفظ، والثاني مناقضا في اللفظ دون المعنى.
وأما الأصل الثاني: وهو أن التفريغ والشغل لايعقل إلا في المتحيزات فالذي يدل على ذلك أن هذا خاصية المتحيز الذي فاز فإنه الغرض، ولهذا حققنا المتحيز بأن المختص بصفة لكونه عليها يشغل الجهة ويمنع مثله من أن يكون يحثه.
وأما الأصل الثاني: وهو أنها لو كانت متحيزة فالذي يدل على ذلك وجوه الأولى منها أنها لو كانت متحيزة لم توجد غرضان في محل واحد كما أن الأجسام لما كانت متحيزة لم توجد جسمان في مكان واحد، ومعلوم أنه قد وجد والدلالة مبنية على أصلين:
أحدهما: أنها لو كانت متحيزة لم توجد عرضان في محل واحد [86أ]، والثاني: أنه قد وجد.
مخ ۱۶۹