وأما الرابعة: فوجه تأخيرها لأنها متفرعة على الثلاث، وهي لها أصل، وأصل الشيء يجب أن يكون متقدما على فرعه، فوجب تقديمها بحقيقة أن الرابعة هي أن الجسم لم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث مثله، وهذا لا يصح الكلام فيه إلا بعد أن يتبين إثبات الأعراض وحدوثها؛ وأن الجسم لم يخل منها ولم يتقدمها، ثم تبين بعد ذلك أن ما كان كذلك فهو محدث.
وأما ترتيب الحسن فتبين الثانية، والثالثة: فيحسن أن تقدم الثانية على الثالثة؛ لأن الثانية كلام في صفة الأعراض الخاصة، والثالثة في حكمها مع الجسم، ومن حق حسن الترتيب أن يتبع إثبات الشيء وصفه الخاص له، ثم يبني بوصفه مع غيره.
وذكر الشيخ (رحمه الله) أنه يجب تقديم الثانية على الثالثة، قال: لأن الثالثة كلام في أن الجسم لم يخل من الأعراض المحدثة ولم يتقدمها، ومالم يبين أو لا إثبات المعاني وحدوثها لم يصح أن نقول إن الجسم لم يخل من الأعراض المحدثة، وما ذكره لا يصح؛ لأنه لاحاجة لنا في صحة الدلالة إلا أن نقول إنه لم يخل الأعراض المحدثة، ويكفي أن نقول إنه لم يخل من الأعراض، وتجعل هذه الدعوى الثانية، ثم نقول: وهذه الأعراض محدثة ويجعل الدعوى الثالثة، وتستقيم الدلالة، ولو كان من شرط صحة الدلالة أن يقول إنه لم يخل من الأعراض المحدثة لصح ما ذكره من تقديم الثانية على الوجوب.
وأما الموضع الرابع: وهو الكلام على كل واحد منهما فقد بينا أنه تجب البداية منها بالدعوى الأولى، والكلام منها يقع في ثلاثة مواضع:
أحدها: في حقيقة الكون وقسمة الأكوان، وحقائق أقسامها، وأمثلتها.
والثاني: في حكاية المذهب وذكر الخلاف.
والثالث: في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ماذهب إليه المخالف.
أما الموضع الأول:[80ب] وهو في حقيقة الكون، وقسمة الأكوان، وحقائق أقسامها، وأمثلتها، فحقيقة الكون وقسمة الأكوان وحقائق أقسامها وأمثلتها فحقيقة الكون هو المعنى الموجب كون المتحيز كائنا في جهة من الجهات.
مخ ۱۵۶