أما الموضع الأول: وهو في حكاية المذهب وذكر الخلاف، فالذي يدل عليه جميع من أثبت الثوابت وأقر بها من أهل القبلة وغيره من اليهود والنصارى أن للعالم صانعا صنعه، وإليه ذهب بعض من أنكر الثبوت من الفرق الخارجة عن الإسلام، وهم: البراهمة، وعباد الأصنام كما حكاه الله تعالى عنهم{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}، والخلاف في ذلك مع الدهرية، والفلاسفة المتقدمين، والملحدة، والطبايعية، والفلاسفة الإسلاميين والباطنية [73ب] وخلافهم على ضربين: منهم من خالف في اللفظ والمعنى، ومنهم من خالف في المعنى دون اللفظ.
أما من خالف في اللفظ والمعنى فهم الدهرية، والملحدة، والطبايعية، والفلاسفة المتقدمون فإنهم نفوا الصانع وقالوا العالم قديم وما به إلا فلك دوار، وليل ونهار، وشموس وأقمار، وقد حكى الله تعالى مقالة الدهرية بقوله تعالى: {وما يهلكنا إلا الدهر}.
وأما الذين خالفوا في المعنى دون اللفظ فهم الفلاسفة الإسلاميون، فإنهم تظهر بالإسلام، وقالوا: العالم محدث وله محدث وصانع، ووصفوه بأنه قديم، وقادر، وعالم، وحي، ثم خالفوا في معنى ذلك وإن أطلقوا العبارة وتأولوه على ما يوافق مذاهب أسلافهم، ويقولون: إنه فاعل بالطبع والإيجاب، والوجود بالطبع أكمل من الوجود بالإجتناب، فهو فاعل لذلك بطبعه، فيردون القول بالصانع المختار إلى الموجب، وكذلك في سائر الصفات يخالفون في تحقيقها وينفون معناها.
وأما الباطنية فإنهم يقولون بالسابق، والثاني، ويقولون إن العالم حدث من السابق، والثاني، وهما الإلهان المحدثان للعالم القادران العالمان.
وأما الباري تعالى فهو العلة الأولى، وليس بمحدث للعالم، وقالوا: إنه لا يوصف بقدم ولا بحدوث ولا بعدم، ولابوجود، وقالوا الولا الضرورة لما قلنا الله.
وأما الموضع الثاني: وهو في قسمة الأدلة وحصرها وما يصح أن يستدل به على الله تعالى وما لا يصح.
مخ ۱۴۱