كان الشاعر اليوناني السكندري كافافي (C. P. Cavafy)
يقول: «لا تحتقر أي شيء في الحياة، بل خذ كل ما تعطيه لك.» وذلك نفس شعوري؛ فإني لا أحتقر شيئا غير التصنع، وأما كل ما في الحياة من جمال ومادة فنية فحبيب إلي، ومنير لشاعريتي، وأشعر بالقصور أمام روعته مهما حاولت أن أعبر وأجيد، مدفوعا بدوافعي الوجدانية، واعيا أم غير واع. وإزاء هذا التنوع في الحياة يتنوع الشعر ويبدو متناقضا أحيانا في مظاهره، ولكن حقيقة الحياة واحدة. ومن جميع مآثر الحياة ومعالمها أود أن أخص المرأة بتحيتي وتقديري، وإني لأذكر كيف عشت مشغوفا في طفولتي وصباي وشبابي بوالدتي، وقدست المرأة بتأثير حنو هذه الوالدة علي، وزاد من عمق هذه القداسة فقداني إياها، وفقداني من علقت بها وأنا غريب عنهما عشر سنين كاملة تحت رحمة الحرب ... فإذا بقي لشعري تعلقه بالمرأة، بل تقديسه إياها في شتى الصور فهو تعلق طبيعي، وإذا كان من أثر هذا الشعر أن تعنى الرجولة بالأنوثة العناية الواجبة بدل إغفالها الحاضر فإن هذا الشعر يكون قد أدى وظيفة تهذيبية ضمنية ولو لم يقصد إليها عمدا. •••
زعم أحد أفاضل النقاد «أن من عادة المؤلفين أن يقولوا إنهم ينتظرون نقدا لا تقريظا، فإذا نقدناهم عادونا أشد المعاداة!» وسواء أصح هذا أم لم يصح فمثلي يبرأ إلى الأدب من هذه الوصمة، وأعتقد أن جميع زملائي أعضاء أبولو يتعففون معي عن ذلك ... إن النقد الأدبي جزء متمم للحركة الأدبية، ولا يجوز أن يتعالى عنه الشعراء، وفي الوقت ذاته لا يجوز للنقاد أن يتغاضوا عن الشعراء، ولا يسوغ لأحد الفريقين أن يستاء من نقاش الآخر؛ إذ الفائدة كل الفائدة بنت الحوار الأدبي لا بنت التقرير، والحكم المطلق من أحد الفريقين على الآخر
2 ... ومن الأسف يبلغ الغرور ببعض الأدباء أن يتوهموا أن أعمالهم لا يجوز أن تنقد ولو بمعنى الدرس والتحليل، ويبلغ مثل هذا الغرور وفساد الرأي بطائفة من النقاد أن يتوهموا أن النقد الأدبي ليس سوى لون من الهدم أو صورة من التشفي وكلا الفريقين لا ينصف نفسه، ولا ينصف الأدب ولا الأدباء، وكأنما يشتهي أن يكون وحده دكتاتورا أو حاكما بأمره!
وإني أرحب بكل نقد نزيه يوجه إلى هذا الديوان وإلى شعري عامة لخدمة الأدب في ذاته، وأما صلتي بهذا الشعر فهي أوثق من صلة الأديب المألوفة بأدبه، فهو دمي وأنفاسي، ومهما قيل له أو عليه فلن أجحد ما هو من صميم نفسي، ولن أنشد له ثناء لن يزيد من نبض حياته المستمدة من كفاية حيويتي وحدها.
ضاحية المطرية، مصر
في 27 ديسمبر سنة 1933
أحمد زكي أبو شادي
إلمامة
الأدب العربي في العصر الحاضر
ناپیژندل شوی مخ