وبقي في الحبس «6» مدة، يكابد بؤسا وشدة، إلى أن وجد فرصة الانفصال، عن رق العقال، ففارق معتقله من حيث لم يطمع فيه أحد، ولم يكن ليغني عنه لو لا المقدور رأي ولا جلد. وأبت عليه لجاجة «7» المحنة أن يتم خلاصه، ويستتب مناصه، فأعثرت عليه حتى أعيد في وثاقه، وزيد في إرهاقه، إلى أن شرح الله «8» صدر السلطان لإطلاقه، فأنشأه «9» نشأة ثانية، وأنبت ريشه قادمة وخافية، وأعاد حاله بالإحسان حالية، ويده على أيدي الأضراب عالية. ووجهه لولاية جرجان وطبرستان معضودا بأبي الحارث أرسلان الجاذب، وذوي النجدة من كماة الرجال، وكفاة الأبطال. لو لا أن الأمير فلك المعالي منوچهر سبق تمام الرأي بإظهار الطاعة، وعرض ما وراء الوسع والطاقة، ولما حالت حرمة التقرب دون الاختيار عليه، واسترده السلطان إلى حضرته فجرى مجرى أركان دولته، وأخدان «1» العشرة لا يفارقه في حفلة، ولا يزايله [204 ب] في خلوة، ولا يقعد عنه في وقت ركوب، ولا ينفرد دونه «2» بدور كوز ولا «3» كوب، إلى أن ورد الأمير أبو الفوارس بن بهاء الدولة حضرة السلطان منزعجه عن كرمان، لقصد عسكر أخيه إياه مستظهرا به على معاودة مملكته، وارتجاع «4» بيته ونعمته، فجمعهم ليلة مجلس دارت فيه الكؤوس، وطابت النفوس، وجرى حديث السلف والخلف، وإعراق من أعرق منهم في الشرف. فنطق دارا «5» بما لو سكت عنه لكان أشبه بحق الخدمة، وحكم الحشمة، ووقت الاجتماع على رضاع العشرة. وحمله رمز الإنكار عليه على قصد المرادة، وركوب المحاقة «6»، حتى تأدى به الأمر إلى إزعاجه عن مكانه، وإشجائه بغصة المدل «7» على سلطانه. وأمر به في غد، فرد في العقال، وحمل إلى بعض القلاع. وقبض على ضياعه؛ فأجريت مجرى الحوزيات «9»، تستغل أسوة سائرها، إلى أن سأل الشيخ الوزير في بابه، فأمر بردها عليه، معونة له على مصلحة حاله، ومؤونة اعتقاله، وذلك في المحرم سنة تسع وأربعمائة.
مخ ۳۷۵