وكان أحد من أثار ذلك الشر «7» على شمس المعالي على ما تشاهدت به الأخبار «8» أبو القاسم الجعدي وكان صاحب جيشه، فانحدر إلى رأس الحد [202 ب] كباز على قفاز يرى كل صيحة عليه، وكل حشيش سهم أقواس بين جنبيه «9». فأمهله فلك المعالي زمانا، حتى ظن أن له دون شؤون الآخرين شأنا، ثم اطباه «10» بتطميعه وترغيبه، حتى أعلقه «1» حبالة «2» الاقتناص، وآيسه من الطمع في الخلاص، وأن لله حكما في أمور عباده معلقا «3» بآماد معلومة، وغايات محدودة، فليس قبلها مستقدم لما تأجل، ولا بعدها مستأجل لما تعجل. فاحتال أبو القاسم حتى انسل هاربا، واعتسف البيد جانبا ثم جانبا. ومازال على حاله واحتياله، حتى ورد نيسابور يظن- وبعض الظن إثم «4» - أن انقطاعه إلى السلطان يمين الدولة وأمين الملة- على نغل دواخله، وارتهانه بسالف فعله وقابله، مع ما تمهد في ذات البين من عقود، وتأكد من عهود، واشترك «5» فيه من طارف ومتلود- يحل عنه «6» عقال آثامه، ويكف عنه ما حق عليه من بأس الله وانتقامه، كلا إن سوء الفعل خذول «7»، والقاتل لا محالة مقتول. وشر المحن ما أومض بالخلاص قبل إبانه، واستيفاء مدة النضج على بحرانه، أنه ليوهم الفكاك ثم يعقب الهلاك، كالهرة تطمع الفأرة في الخلاص، حتى إذا كانت منها على غلوة «8»، لحقتها [203 أ] بعدوة. لا جرم إن السلطان لما أنهي إليه صورة حاله، ومن قبل ما سمع بسوء فعاله، أمر برده وراءه في عقاله. ولقد أحسن ابن الرومي في مقاله:
الخير مصنوع بصاحبه ... فمتى فعلت الخير أعقبكا
والشر مفعول بفاعله «9» ... فمتى فعلت الشر أعطبكا «10»
مخ ۳۷۲