وصل كتاب الأمير موشحا بدرر خطابه، وغرر إيجابه، وبدائع بره وأفضاله، وروائع أنعامه «7» وإشباله «8»، فيما أكرمني به من عز العيادة، وألبسنيه من حلل الفوز والسعادة، وشرفني به من التهنئة على العافية المستفادة، فأوصل عزا يبقى على الأيام أثره، ولا يخلق على مر الزمان ذكره ومفخره. وفهمه العبد فهم من آنس منه رشدا، واقتبس من أثنائه قوة وأيدا، وسجد لله شكرا على ما أفاضه عليه من سجال «1» السلامة، ومد عليه من ظلال الفضل والكرامة، ورغب إليه في إسباغ العوارف عليه، [وإسداء العوائد لديه] «2»، وصرف المحاذر عن حضرته «3»، [وكر المكاره عن فنائه وساحته] «4»، فأما ما أهل الأمير [142 أ] العبد له من شريف كتابه، ولطيف خطابه، ورقاه إليه من درجة العيادة أولا، ومنزلة التهنئة ثانيا، وإنفاذ القاصد به ثالثا، فإن ذلك من نتائج همته العالية، ودواعي شيمته الزاكية، التي تحنوه «5» على أوليائه وخدمه، وتعطفه «6» على أغذياء نعمه، فليس له في مقابلة ما أولاه، ومعارضة ما كساه، إلا الشكر يديمه، والنشر يقيمه، والرغبة إلى الله تعالى يخلصها في إطالة بقائه، وإدامة عزه وعلائه، وإنهاضه بمواجب خدمته، ومعرفة قدر نعمته بمنه ورحمته. هذا ولو كان «7» ملك العبد في مقابلة هذه النعمة- على جلالة قدرها، ونباهة خطرها وذكرها- غير بذل المهجة والقرينة «8» في الطاعة، واستنفاذ الوسع والطاقة غاية لبلغها تقربا إلى حقوقه بما يقتضيها، ويؤدي شرط العبودية فيها، وحكم على نفسه بالعجز والتقصير معها، وإذ قد حرم المراد فما يتمسك إلا بالرغبة إلى الله تعالى في أن يتولى من مكافأته بما لا يسمح به إلا يده، ولا يفي به إلا مجده، فهذا هو الكلام الذي ليس به عثار، ولا عليه غبار، قد ولي الفضل تحبيره، [142 ب] وملك العقل رسمه وتصويره، والقليل منه على الكثير دليل، وكلام الجليل كقدره جليل:
قليل منك يكفيني ولكن ... قليلك لا يقال له قليل
وقد أكثر الشعراء في مدحه، لكني أثبت أبياتا للخوارزمي فيه من قصيدة أولها:
زف المنام إلي طيف خياله ... لو أن طيفا كان من أبداله
ولو أن هذا الدهر يشكر لم يدع ... شكر الأمير وقد غدا من آله
لا ينشف الإلحاح نائله ولا ... سؤل امرى ء ينهاه عن إسآله
الوفر عند نواله والنيل عند ... سؤاله والموت عند صياله
والخلق من سؤاله والجود من ... عذاله والدهر من عماله
وفعاله كمقاله وشماله ... كيمينه ويمينه كشماله
تتجمع الآمال في أمواله ... فيفرق الأموال في آماله
لا علم إلا عزه في عزه ... لا حلم إلا حاله من حاله
وله علوم لو قسمن على الورى ... ما زاد عاقله على جهاله «1»
وخلائق لو أنهن كواكب ... أضحى السها في الضوء مثل هلاله
وفصول قول هن أعذب مسمعا ... من راحة المشغول من أشغاله [143 أ]
يخطرن بين سخائه وسنائه ... وبيهن .... «2» وكماله
سمح البديهة ليس يمسك لفظه ... فكأنما ألفاظه من ماله
وكأنما عزماته وسيوفه ... من حدهن خلقن من إقباله
متبسم في الخطب تحسب أنه ... من حسنه متلثم بفعاله
هبني وفيت بحمده عن فضله ... من ذا يفي بالشكر عن أفضاله
وله أيضا من قصيدة أولها:
مخ ۲۶۲