ولما عادت إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه [وعن الصحابة أجمعين] «1»، هاجت الرياح «2» من كل جانب، وبدت الأوابد، وتبدلت العقائد، وتحول أمر الدين ملك المغالبة، ودول القتال والمجاذبة، ووقعت الخلافة في الخلاف، وبرز الشر من الغلاف، وبقي علي رضي الله عنه «3» على اضطراب لا يهدأ، وفي «4» مداواة داء لا يبرأ، مع شجاعته المشهورة، ومآثره المأثورة، فانتهى أمره إلى ما انتهى، حتى جرى عليه وعلى عقبه ما جرى. فلينظر إذا كان الأمر كذلك، أهؤلاء أحق بالقدح أم أولئك، قد مضى القوم وآثارهم في الإسلام كالشمس في الاشتهار، والهباء في الانتشار، وصنيعهم صائح بحي علي الفلاح، وليس بأيدي الخصماء سوى السفاهة والصياح.
وقرأت توقيعا له إلى بعض الأفاضل يستقدمه حضرته، ليتوخى مسرته: «محال لمن سمت به همته إلى قصد من تغلو عنده قيمته، أن يكون على غيره عرجته، ولبيت من سواه زيارته وحجته».
وأما خطه [138 ب] فخطة المحاسن، فسمه إن شئت وشيا محوكا، أو تبرا مسبوكا، أو درا مفصلا، أو سحرا محصلا. وكان إسماعيل بن عباد إذا قرأ خطه يقول:
هذا خط قابوس أم جناح طاووس؟ فهو كما قال المتنبي:
في خطه من كل قلب شهوة ... حتى كأن مداده الأهواء
ولكل عين قرة في قربه ... حتى كأن مغيبه الأقذاء «5»
مخ ۲۵۴