أظهرت الحوادث استحالة الوقوف أمام التيار الدموقراطي الجارف، ولم يستطع روسي أن يوطد دعائم الهدوء بالقوة؛ فالشعب كان لا يفتأ يطالب بالحرب، وقد شاع أن البعض كان يعد عدة مؤامرة لإقامة جمهورية.
وفي بولونيه نظم الدمقراطيون صفوفهم بقيادة جفازي، وكان زوكي قد جردهم من السلاح؛ لارتيابه بعلاقتهم بغاريبالدي، أما رجال الإكليروس فكانوا يرجون المعونة الأجنبية، وأما المتطرفون فكانوا يناضلون للحصول على مجلس تأسيسي يقضي إلى انهيار نصف عروش إيطالية أو جميعها، فاضطر روسي أمام هذه الحوادث أن يجلب قوات إلى روما.
وكان زوكي قد أرسل كتابا إلى روكي يقترح عليه فيه بتشتيت شمل وطنيي الروماني بالقوة أو القضاء على كتيبة غاريبالدي بالرصاص، إن هذا الكتاب وقع في أيدي البعض ونشر فأحدث تأثيرا سيئا، وبينما كان روسي في طريقه إلى المجلس النيابي هدده الجمهور حتى إذا ما صعد السلم اغتالته يد مجهولة، فوجه الرأي العام التهمة إلى الدمقراطيين، إلا أن هؤلاء أسندوها إلى اليسوعيين الذين اعتادوا مثل هذه الاغتيالات.
وتلقت روما هذا الخبر بدون اكتراث، ولم يترك روسي أصدقاء؛ فلذلك رأى الدموقراطيون والرجعيون في موته فرصة مناسبة لينشط كل فريق كل منهم في العمل لمبادئهم، بيد أن الدمقراطيين كانوا أسرع إلى الاستفادة من الحادث؛ ذلك أن المجلس النيابي تخلى عمليا عن العمل، وترك روما في قبضة نادي الشعب، وهذا استطاع أن يعيد النظام في الطرقات تماما.
وتلا ذلك قيام مظاهرة عظيمة اشترك فيها الجنود والمدنيون وعلى رأسهم ضباط ومواطنون ممتازون، سارت إلى قصر الكردينال في 16 كانون الثاني، وطلب المتظاهرون إلى البابا الموافقة على المنهج الدموقراطي.
وكان البابا كلف قبل ذلك «جليني» وهو من رؤساء الدموقراطيين تأليف الوزارة إلا أن الجمهور أصر على أن يتعهد البابا - قبل كل شيء - بالعمل الإيجابي حسب المنهج الدموقراطي، ولكن البابا رفض الإذعان، وقد حاول جليني عبثا أن يقنعه، ولما فشل في ذلك استعرض الجمهور أسلحته النارية؛ ليحمل البابا على القبول، ولكن الحرس السويسري الساخط على هذه التهديدات أطلق بعض الطلقات فكانت دليل التصادم.
وكان الجند الأهلي والحرس المدني بجانب الشعب، فوجهوا نيرانهم نحو القصر وقتلوا أسقفا وظل البابا مصرا على عناده ووعد بأن يترك أمر المنهج الشعبي إلى قرار المجلس، وكلف ستربيني وهو أكثر رؤساء الدموقراطيين تصلبا وأقلهم خبرة في شئون الدولة تأليف الوزارة، فاعترف المعتدلون بعجزهم وانتهزوا الفرصة للتخلص من المسئولية في مثل هذا الظرف العصيب، وكان تركهم المجلس سببا في حادث كان من الخطورة بمكان؛ إذ أصبح البابا جزوعا يود الإفلات من مدينة تسود فيها الثورة، وفي ليلة 24 تشرين الثاني هرب من روما متنكرا والتجأ إلى مملكة نابولي؛ حيث خصصت قلعة «جايته» الواقعة على الحدود مقرا لبلاطه.
وشعرت مدينة روما بأن اضطرار البابا إلى الهرب يمس سمعتها، وضاعف منفاه عطف الناس عليه وخفف من الغلواء هذه، فما كان عليه إلا أن ينتظر قليلا حتى تفتح له روما أبوابها، إلا أنه - لسوء حظه وحظ البابوية - أسلم نفسه إلى حاشية سوء، وحاول المعتدلون والحكومة الإفرنسية عبثا دعوته إلى بولونيه أو إلى مارسيلية، وآثر - كما يبدو - أن يظل أسيرا لدى فرديناند وألعوبة بيده، وقد وقع تحت نفوذ الكردينال أنطونلي المتزايد الضار.
وقد اندفع البابا في سياسته الرجعية العمياء من دون هوادة، ومما شجعه على موقفه هذا وعوده بالمساعدة التي قطعتها جماعات عديدة في فرنسة وبلجيكة وأيرلندة وسويسرة، حتى أصبحت قضية البابا فجأة من القضايا الأوروبية الخطيرة الشأن، أما إسبانية فكانت وجهة نظرها تتلخص في أن البابا أمير روحي، فيجب أن يكون تحت حماية جميع الأمم الكاثوليكية بطبيعة الحال.
وقد اقترحت عقد مؤتمر دولي للبحث في القضية البابوية، ورضيت نابولي والنمسة بهذا الاقتراح، وكانت الأخيرة تأمل أن تجعل من البابا - على الأقل - حليفا سلبيا ضد بيمونته، وأدرك جيوبرتي خطورة الأمر فارتأى رأيا جديدا لبقا؛ إذ أعلن أن بيمونته لا تؤيد أي مشروع يرمي إلى أن تبت الحكومة الأجنبية في الشئون الزمنية لدولة إيطالية وأنها هي بصفتها دولة إيطالية من حقها أن تتدخل، وقد سعى جيوبرتي لإصلاح البين بين البابا وأهل روما وضمه إلى الحلف الإيطالي بتقديم ملجأ له في مدينة «نيس» والتدخل بالقوة لإعادته على رأس دويلاته.
ناپیژندل شوی مخ