وكان من الصعب على فرنسة أن تبقى تجاه هذه الأحداث مكتوفة الأيدي، ولا سيما لأن واجباتها التقليدية تقضي بالاهتمام بالعلاقات بين إيطالية والنمسة، ولما أعلنت الحرب قدمت فرنسة مقترحات خطيرة الشأن إلى بعض الأشخاص مثل مازيني وببه، وطلبت إلى الحكومة تورينو الموافقة على إرسال جيش ترصد عبر جبال الألب، إلا أن الشعور العام في بيمونته كان يعارض بالإجماع كل معاونة إفرنسية، وكان مانين الرجل الوحيد الذي قدر أهمية المعونة الإفرنسية، فطلب إلى فرنسة إرسال أسطولها عبر الأدرياتيك، أما الملكيون فكانوا يرتعدون خوفا من حلف جمهوري، وكان الجمهوريون أنفسهم يميلون إلى أن تحرز إيطالية النصر
1
ويرى أن تدخل فرنسة قد يشجع الجمهوريين في لمبارديه وفنيسيه من جهة ويعينهم على المطالبة بترك صافويه ونيس إلى فرنسة من جهة أخرى.
بيد أن أكثرية اللجنة الإجرائية في باريس كانت ضد التدخل ما لم يطلبه الطليان أنفسهم؛ فلذلك أجاب نداء مانين بوعد عرقوبي، وعلى الرغم من تعهد فرنسة بالمساعدة حين تطلب منها بصورة رسمية فإنها لم تكن على استعداد لتقديمها، ولما خسر الطليان معركة كوستوزه، وفقدت تورينو وميلانو كل أمل في الظفر توجهت إيطالية نحو فرنسة، وشرطت عليها أن تكف عن كل دعاية جمهورية وعن المطالبة بترك صافويه مما سوغ لفرنسة أن تسحب كلامها، فأصبحت المقاومة في الحرب بعد ذلك لا معنى لها، ومع ذلك فإن بعض الوطنيين المتحمسين كانوا لا يريدون الاعتراف بالانكسار.
وكان «كورنتي» وهو أحد الأعضاء الفعالين في الحكومة المؤقتة من ميلانو، من الذين لا يزالون يقولون بالاستمرار في الحرب بالقوات اللمباردية وبالمتطوعين حوالي بريسيه، وكان القسم الأعظم من الجمهوريين يرجعون بأسباب انخذالهم إلى الاتفاق البيمونتي، وكان أكثر المتطوعين قد انسحب إلى سويسرة وبيمونته.
ولما عاد غاريبالدي من «بئونس آيرس» في أمريكية الجنوبية في شهر أيار؛ حاول عبثا أن يحصل على رتبة في الجيش البيمونتي، وكان باستطاعة الملك ووزرائه أن يستغلوا صيت هذا الزعيم وأن يقيموا أهل تيرول ويقعدوهم، إلا أنهم قابلوا طلبه ببرودة فقدم إذ ذاك خدماته لحكومة لمبارديه، فأناطت به قيادة المتطوعين في برغامة.
وبينما كان في مونز يستعد للهجوم على النمسويين اتصلت به أخبار الاستسلام فانسحب مع مازيني إلى أرونة؛ حيث طلبت إليه الحكومة البيمونتية أن يسرح جنوده وأن يترك البلاد، فتأثر كثيرا من هذا الطلب ومع أنه تعهد احترام الهدنة إلا أنه نشر راية مازيني في لوبنو وأعلن الحرب الشعبية، بيد أن راديتسكي وجه إليه قوة عظيمة اضطر أمامها إلى الانسحاب إلى سويسرة.
ثم أرسل النمسويون قوة إلى الروماني واحتلوا بولونيه، فما كان من أهلها إلا أن هبوا للدفاع عن بلدتهم، فهاجموا الجنود في الطرقات بالخناجر وبعد معركة دامية وجها لوجه استمرت ساعتين؛ أثخنوا فيهم وهزموهم.
وكان الموقف السياسي في الإمبراطورية النمسوية قد تحسن بعد أن قضى القائد «وند شجرتسن» على ثورة بوهيمية، وبعد أن حدث اختلاف بين الهنغاريين والصربيين استغله العدو المشترك «النمسة»، وأعلن المجلس النمسوي ولاءه للإمبراطور الذي رجع إلى فينا.
أما في إيطالية فاستعادت نفوذها بالانتصارات الباهرة المتوالية ما عدا في بيمونته وفنيسيه فإن الناس في إيطالية قد أهملوا أمر الحرب، وقد ظهر أن الكفاح للاستقلال هو ناحية واحدة من مظاهر النهوض في إيطالية، أما الناحية الأخرى فهي السعي في طريق التحرر الاجتماعي وقد اغتبط الأحرار المعتدلون بالإصلاحات التي تمت بالانقلاب البطيء الذي طرأ على الحكومة الدستورية على أن الجماهير كانت ما تزال تخضع لما تبقى من استبداد الشرطة، وكانت تتشوق إلى إيجاد مالية شعبية صالحة، وإلى سن قوانين عقارية جديدة، وإلى تعليم أصلح، كما أنها كانت تأمل أن يتم إنجاز الإصلاحات الاشتراعية في بضعة أشهر، وكانت تثق بأن البرلمان كفيل بالقضاء على أساس الأوتوقراطية وبرفع إيطالية إلى مصاف فرنسة وإنجلترة.
ناپیژندل شوی مخ