هذا ويعيش خمسا أهلها حينذاك على الصدقات، وقد عرف النمسويون كيف يستغلون هذا التردي في الأخلاق فبذلوا إعانات سخية إلى دار الأوبرا، وكانوا كلما حدث هياج سياسي يلهون الناس بمضاعفة الاهتمام باحتفالات الكرنفال، كما أنهم بذلوا جهدهم في تأريث الحقد بين ميلانو وبرسيه وفنيسيه، وكان الشريف الذي يعمل للمصلحة العامة يفقد عطف الحكومة.
ومما يثير الحماسة القومية في النفوس تلك الضرائب الفادحة التي فرضتها الحكومة على الأملاك، وكان أولاد الأشراف وبناتهم يربون على اعتبار النمسويين أجانب لا يجوز التساهل معهم، وإنما يجب احتقارهم والابتعاد عنهم في الرقص وفي المرسح، بيد أن الأشراف كانوا قليلي العدد في لمبارديه وكانت الطبقة المتوسطة تؤلف القسم الكبير في البلاد، وكانت هذه تعنى كل العناية بتجارتها.
وتقدمت الصناعة؛ بفضل ذكاء اللمبارديين وقابليتهم الفنية، حتى غدت لمبارديه أكثف نفوسا في أوروبا باستثناء بلجيكة، ونمت تجارة الحرير وكثرت المغازل في المناطق الجبلية واشتهرت مصانع الجبن في «لودي وكريما»، وانتشرت صناعة القطن وأنشئت مصافي السكر، ولكن الناس كانوا يعلمون أنه مهما تقدمت الصناعة في لمبارديه عليهم أن يقدموا الحساب إلى النمسة؛ فلذلك قيدت التصرفات الجمركية المتعددة المرتبكة نشاط التجارة وشجعت التهريب، فخسرت فنيسيه مقامها في التجارة على حساب منافستها «تريسته» واضطرت برسيه إلى غلق معاملها الحربية.
وأكثر الناس في لمبارديه كانوا زراعا وأصحاب الأراضي يؤلفون ثمن الأهلين، وكان عددهم في ازدياد مستمر، وكان كل قروي في المناطق الجبلية يملك أرضه ويرجح الاحتفاظ باستقلاله فيها على رفاهيته، ولما كانت النفوس كثيرة والضرائب باهظة فإن النقص في وارد الأسرة كان يؤمن من غزل الحرير؛ إذ اعتاد كل بيت أن يقوم به، ويعيش القروي عيشة لا بأس بها، وكان على رغم فقره أغنى من القروي الإفرنسي.
وكان الزراع في السهول ناقصي التعليم وفي حالة البداوة، يسكنون في أكواخ من الطين ويكرهون رؤساءهم وأسيادهم، وكثيرا ما استحوذ اليأس عليهم؛ ولهذا فإنهم يؤلفون عنصرا خطرا.
وكان الأذكياء يعتبرون الإدارة النمسوية - بمجرد أنها نمسوية - أفظع من الاستبداد القائم في روما ونابولي، وبمرور الزمن وبالتدريج تغلغل الحقد على النمسة في قلوب الناس من جميع الطبقات وفي كل الأنحاء، وقد توغلت تعاليم «مازيني»
2
بين طبقات الناس من الأشراف والتجار والعمال حتى غدت البزة البيضاء التي يلبسها الجندي النمسوي رمز الاستبداد في نظر الناس.
الفصل الرابع
مودينه - بارمه - لوكا - طوسكانه
ناپیژندل شوی مخ