وظل غاريبالدي رغم هذا النصر الباهر عاجزا عن إنهاء الحرب في الجنوب، وبينما كان الهرج والمرج سائدا في نابولي أقدم غاريبالدي على المطالبة بإبعاد كافور من رأس الحكومة، وأجاب على طلبات كافور في 15 أيلول بأنه لن يكون صديقا للرجل الذي أهان كرامة الأمة وباع إيالة إيطالية، ثم كتب للملك يطلب إليه إبعاد كافور وفاريني عن الحكم عارضا عليه استعداده لضم صقلية ونابولي توا.
تعذر على كافور أن يتخذ التدبير الذي يقهر به الدكتاتور، وقد لحظ أن عزم غاريبالدي قد اشتد على التقدم نحو روما، وأوجس خيفة من أن يعلن الدكتاتور الجمهورية، فدعا البرلمان إلى الاجتماع في 2 تشرين الأول ليطلب إليه الصلاحية المطلقة لضم الجنوب إلى المملكة الجديدة، حتى إذا ما وافق البرلمان على طلبه هذا يتولى الملك قيادة الجيش في إنكونه حالما يتم حصارها ويتقدم نحو نابولي فإذا خضع غاريبالدي فنعم العمل، وإلا فإن أقل ما تعمله الحكومة إرسالها قوة إلى باليرمو لضم صقلية، صرح كافور قائلا: «إذا كان غاريبالدي يريد القتال فليفعل ذلك، وإني أشعر بأن لدي من القوة ما يكفي لمقابلته.»
وحاول أن يكسب صداقة غاريبالدي مرة أخرى بأن أوفد برسانو وكتب إليه قائلا: «سنذهب يوما ما إلى روما لا محالة ومن الطيش التفكير بها؛ إذ علينا الآن أن ننجز أمر فنيسيه معا وألا نضيع وقتنا في الأحلام.»
وفي 4 تشرين الأول خول المجلس النيابي الوزارة بما يقارب الإجماع صلاحية جمع إيالات الوسط والجنوب على أن تعلن بالاقتراع العام رضاها عن ذلك، وبعد يومين من اتخاذ ذلك القرار وصل الملك إلى إنكونة، ووصل في الوقت ذاته باللافيجينو يحمل رفض غاريبالدي، وكان باللافيجينو هذا من الوطنيين المتصلبين وكان يكره كافور، إلا أنه كان يدرك ما في سياسة غاريبالدي من طيش فاعتزم أن يبذل جهده في مظاهرة أنصار الانضمام، وكان كريسبي قد خلف برتاني في سكرتيرية الدكتاتور فسعى إلى قهر أنصار الانضمام بالقوة، وأوشك أن يقع الاصطدام بين الجيشين القوميين، وشاع أن برتاني أرسل برقية إلى قائد الحرس القومي على الحدود في «أبروزه» يبيح له إطلاق النار على قوات الملك، ولكن الخبر كان مكذوبا مما حمل غاريبالدي على أن يرسل برقية يطلب بها استقبال البيمونتيين إخوانا، ثم كتب إلى الملك يحثه على إرسال القوات، ورأى باللافيجينيو ضرورة الإسراع في العمل والبت في الأمور قبل أن يقوم الدكتاتور بعمل مشئوم يزج البلاد في حرب أهلية فحرض الوزارة على تقرير إجراء الاقتراع العام، وقد قررت الوزارة ذلك ظنا منها أن غاريبالدي قد وافق عليه.
وكان غاريبالدي يريد مجيء الملك إلا انه كان دائما متمسكا برأيه في ضرورة الزحف على روما، وكان يعلم بأن الإلحاق يقضي على خططه، وترأس كريسبي المعارضة واقترح الدعوة إلى عقد مجلس تمثيلي بدلا من إجراء الاقتراع العام ولكن قد يعارض المجلس فكرة الإلحاق، وفي هذه الحالة لا يمكن اجتناب الحرب الأهلية، ولكن غاريبالدي رغم هذا المحذور أيد رأي كريسبي فما كان من باللافيجينيو إلا أن هدد بالاستقالة من الوزارة، ومن حسن الحظ أن الشعب أدرك خطورة الموقف فقام أهل نابولي بمظاهرة صاخبة طالبين الانضمام، ورأى غاريبالدي نفسه بأن الشعب كله ضده فمال فورا إلى رأي باللافيجينيو ووافق على إجراء الاقتراع العام، وناشد البلاد بأن تنسى وجود الأحزاب السياسية وتتناسى أحقادها الحزبية.
وجرى الاقتراع العام في 21 تشرين الأول وأعلنت نتائجه بعد خمسة عشر يوما، واقترع لفكرة الانضمام في شبه الجزيرة 1310000 ضد 10000 صوت، واقترع في صقلية 432000 صوت ضد 600 صوت، وفي مدينة نابولي ذاتها اقترع 106000 للانضمام ضد 31 صوتا فقط، ثم جرى الاستفتاء بالاقتراع بعد بضعة أيام في المارك وأمبرية وكان عدد القائلين بالانضمام في الأولى 133000 ضد 1200 وفي الثانية 97000 ضد 380 واقترعت إيالة «فيتريه» للانضمام على الرغم من أن الجنود الإفرنسيين كانوا يحتلونها.
وعلى إثر ذلك أخذ كافور يدعو الملك للعجلة في المسير؛ لأنه أصبح يخشى هجوما يباغت به النمسويون لمبارديه ولم يكن يستطيع إرسال الجيش لمقاتلة العدو، ومع أن بولونيه وبيازنسه كانتا محصنتين وأن لمبارديه وبيمونته تنفران للجهاد بكلتيهما إلا أن آخر القوات الإفرنسية كان قد ذهب من لمبارديه في حزيران، وأصبحت القوات الإيطالية الضعيفة معرضة لخطر شديد، وكان من المحتمل جدا أن تنتهز النمسة هذه الفرصة السانحة للهجوم، وكانت النمسة تريد الحرب من دون ريب.
صحيح أنها رفضت التدخل لمصلحة البابا على الرغم من دعوة أنتونللي لها غير أن استيلاء الجند البيمونتي على أومبريه ولد في المحافل السياسية سخطا عظيما على بيمونته، فاستدعت روسية سفيرها واحتجت بروسية بلهجة شديدة، حتى الإمبراطور نابليون نفسه تهدد بالمعارضة مع أنه شجع كافور خفية على المضي في عمله واستدعى سفيره من تورينو، وظلت إنجلترة وحدها موالية إلا أنه لم ينتظر منها بأن تخوض غمار حرب في سبيل إيطالية، وعليه فقط ظهرت إيطالية وحيدة منعزلة تماما، وأحس كافور بدنو الخطر شيئا فشيئا؛ إذ توقع توجيه الإنذار من النمسة، وساوره القلق الشديد حتى إنه في نهائية تشرين الأول طلب إلى الملك وفانتي العودة توا، ثم حدث بعد ثلاثة أيام ما طمأنه أن إيطالية أصبحت في سلام.
وكان الإمبراطور نابليون الثالث هو الذي أنقذها في هذه المرة أيضا؛ إذ استمال قيصر روسية إلى جانبه وهدد النمسة، ولعل الوزارة الإنجليزية بذلت هي أيضا نفوذها في برلين فكف فرنسوا جوزيف عن مشروعه الحربي، وحين كان الجو متلبدا تقدم الملك نحو الجنوب مع فانتي رئيس أركان حربه وفاريني حاكم نابولي المقبل واجتاز نهر «ترونتو»، ثم دخل أرض نابولي في 15 تشرين الأول فاستقبله الشعب في كل مكان استقبالا عظيما واعتبره البطل المنقذ، حتى إن رجال الإكليروس وعلى رأسهم الأساقفة هرعوا لاستقباله بالمراسيم الدينية.
وبينما كان غاريبالدي يقمع حركة بعض القرويين الموالين لآل بوربون الذين ثاروا ضد رجاله وفتكوا بالأحرار؛ كان الملك يجتاز - على مهل - منطقة «أبروزه» سالكا ضفة نهر فولتورنه اليسرى ليستطيع الإحاطة بجيش آل بوربون، ولما رأى فرنسوا نفسه بين نارين ترك اثني عشر ألفا من جنده في كابونه وانسحب بالباقي وراء نهر جاريجليانو.
ناپیژندل شوی مخ