وصدرت في باريس قبل عيد الميلاد رسالة عنوانها «البابا والمؤتمر»، وكان محور البحث فيها يدور حول ضرورة تصغير ممتلكات البابا مبرهنة على أنه كلما صغرت ممتلكات البابا كبرت سلطته الروحية، ومع أن الرسالة لم تتعرض للبحث عن المارك وأومبريه فإنها اقترحت بأن تقتصر أوروبا على حمايتها لروما ولاكوماركة.
وتلا ذلك أن أبعد الإمبراطور وزير خارجيته والويسكي، وعين نوفنيل عدو الإكليريكيين ونصير الحلف الإنجليزي، وسرعان ما بلغت السياسة الجديدة هدفها الأول؛ إذ استوضحت حكومة النمسة الحكومة الإفرنسية فيما إذا كانت فرنسة تقف في المؤتمر موقف المدافع عن المبادئ الواردة في الرسالة فلما تلقت جوابا إيجابيا انسحبت من المؤتمر.
وسارت الأمور في إيطالية وفي باريس سيرا سريعا، فبعد أن رفضت النمسة الاشتراك في المؤتمر بخمسة عشر يوما تقلد كافور رئاسة الوزراء، ويجدر بنا هنا أن نتحدث عن المناورات السياسية المحلية التي انتهت بعودة كافور إلى الحكم، فنقول لقد كان رتازي يعلم بأن وزارته سوف تسقط حالما يجتمع المجلس النيابي ولا سيما لأن أصدقاء كافور قد لموا صفوفهم وأخذوا يهاجمون الوزارة ليضمنوا عودته إلى الحكم، وكان الملك لا يزال يحقد عليه بسبب التفريق بينه وبين خليلته، ولم ينس الكلام القارص الذي وجهه إليه كافور على إثر معاهدة فيلافرنكة، ولعله اعتقد بأنه لن يقتصر في المستقبل إلى دعوة وزيره العظيم إلى الحكم فقبل بروفيو وفاليريو في بلاطه، فأخذا مع أنصارهما من حزب اليسار يسعون للحيلولة دون عودة كافور إلى استلام زمام الحكم.
وفي بداية شهر كانون الأول نظموا صفوفهم باسم اللجنة الحرة، وأخذوا يدسون الدسائس ويحيكون المؤامرات ضد كافور، الأمر الذي أدى بأصدقاء كافور في المجلس أن يعملوا لمكافحة هذه المؤامرة بتأليف حزب سموه: «الاتحاد الحر»، ونجح هذا الحزب وامتد نفوذه امتدادا أفزع الملك وجعله يفكر مضطرا في الموافقة على إيفاد كافور إلى المؤتمر المنوي عقده بعد أن تردد طويلا في إيفاده اعتقادا من الوزراء بأن نجاحه في المؤتمر يقوي مركزه في البلاط.
وقد سعى الدساسون إلى جلب غاريبالدي إلى جانبهم لاستغلال سمعته، وكان هذا قد ترك الروماني حانقا مكسور الخاطر رافضا الترضية التي قدمها له الملك، ولا شك في أن الملك ورتازي قد لعبا دورا في هذه المناورة وشجعا غاريبالدي على سياسته المتطرفة وربما على هجومه على أومبرية، ولعل الملك كان جادا، أما رتازي فقد خدع غاريبالدي ليستغله لمصلحة حزبه الخاصة، وطلب غاريبالدي أن تبدل اللجنة الحرة اسمها وأن تتسمى باسم «الأمة المسلحة» أملا منه بالقدرة على جمع المال لشراء المليون بندقية.
وقد وافقته اللجنة على تكليفه وعين رئيسا لها ولكن هذه الحركة المستهينة لم تلق تشجيعا لا في مجلس الأمة ولا في البلاد، حتى أسرعت الحكومة إلى التنصل منها، فتأثر غاريبالدي وغضب من هذا العمل وأمر بإلغاء اللجنة.
وأما في إيطالية الوسطى فأخذ الهياج والقلق ينذران بالخطر في إيطالية الوسطى، وأيقن أعضاء الاتحاد الحر وجميع القوميين في مجلس الأمة - على اختلاف نزعاتهم - لما أدرك دازجيلو بأنه لا يمكن القيام بأي عمل ما دام رتازي على رأس الوزارة، وأمام هذا الإجماع وضغط الرأي العام لم ير هذا بدا من الاستقالة، فتولى كافور في 16 كانون الثاني رئاسة الوزراء ففرح الناس لهذه النهاية وتنفسوا الصعداء.
واستطاع كافور أن يستفيد أقصى الاستفادة من الظروف التي مهدت له الطريق وأعادته إلى الحكم، وقد وعد بأن تكون سياسته سياسة إيطالية إلى أقصى الحدود، فأخذ يستهدف في عمله تحقيق الوحدة بمعناها الأوسع، واعتقد أنه إذا ما انضمت طوسكانه والروماني إلى بيمونته فإن الثورة كفيلة بعد ذلك بضم نابولي وصقلية إلى المملكة، أما أومبريه والمارك، فبعد أن تصبح إيطالية الحرة الجديدة في جانبهما فستتخليان عن البابا ثم يأتي بعد ذلك اليوم الذي تستجمع الأمة فيه كل قواتها للاستيلاء على القلاع الأربع واحتلال فنيسيه.
ومع أن كافور كان يشجع أنصار الوحدة الصقليين سرا فإنه كان في الحين ذاته حريصا على عدم وقوع حوادث مربكة في الجزيرة، وإذا اقتضت الضرورة بأن ينتظر بضع سنوات قبل أن يقدم على فتح إيطالية الجنوبية، ولكن كان هدفه الأول الاستيلاء على أميلية وطوسكانه، وظل في هذا الشأن صلب العود لا يلين ولا يتراجع؛ أملا أن يرى نواب إيطالية الوسطى في طليعة نواب مجلس الأمة حين ينعقد.
وجاء تعيين فانتي وزيرا للحربية - وكان لا يزال يقود جيش الحلف - مظهرا عمليا ودليلا فعليا على الوحدة، وكان كافور يدرك أن التخلي عن نيس وصافويه أمر لا بد منه في سبيل بلوغ الغاية المثلى وهي الوحدة الإيطالية، وقد استعد هو وفيكتور عمانوئيل لاحتمال هذه التضحية ومواجهة سخط الرأي العام الذي أفزعه زملاء رتازي.
ناپیژندل شوی مخ