انضمام الوسط
أيلول 1859-نيسان 1860
وطبيعي ألا ترتاح إيطاليا الوسطى إلى جواب الملك، ولم تقبل به إلا بعد تأكيد من الملك ووعد من كافور بأن الوقت لا يساعد على العمل أكثر من ذلك، وكان على حكومة تورينو أن تنظر بعين الاعتبار الصعوبات السياسية التي تواجهها، وأن تحول دون قطع صلاتها بالإمبراطور، ولكن ريكاسولي وفاريني استطاعا أن يهملا تعليماتها من دون خوف، وأن يفسرا حديث الملك تفسيرا بعيد المدى، وأن يصرحا بأن فكتور عمانوئيل أصبح ملكا على طوسكانه واستنادا إلى رضائه الخاص.
وقد بلغ جيش الحلف ذلك الحين خمسة وأربعين ألف جندي وبرهنت طوسكانه عن تحليها بصفات الصبر والثبات الفائقة، ولم تجد جميع الدسائس التي حاكها أنصار الأمراء المخلوعين، وسارت حكومتا ريكاسولي وفاريني بلا عائق وأصبح ريكاسولي دكتاتورا بالفعل، وقد تملك قلوب الشعب بثباته وصراحته وامتناعه عن الأخذ بسياسة التستر والمراوغة، وقام فاريني بالإصلاحات في مودينه وبارمه في همة ونشاط عظيمين، وقد طهرا الإدارة من مفاسدها وطردا اليسوعيين، أما في بولونيه قد خلف روازجيلو «سيبريماني» قائد ثورة ليفورنه سنة 1848.
وكانت سياسة فاريني ترمي إلى جعل دويلات الوسط خاضعة إلى حد ما لحكومة مشتركة وجعل قوانينها وقوانين بيمونته واحدة، حتى إذا ما استلم فكتور عمانوئيل زمام الحكم وجد أن الاندماج بين الإيالات القديمة والجديدة قد تم فعلا، وقد ارتأى أن يأخذ الحلف العسكري الموجود بسياسة دولة واحدة من أعضائه فيدل ذلك على تضامن الحكومات الأربع ويكون حائلا دون اختلافها، وذلك من دون أن تلغي الحكومات الموجودة.
وقد أيدت حكومة بولونيه هذا المشروع أما ريكاسولي فاعترض عليه خشية أن يشجع ذلك أنصار وجود مملكة في إيطالية الوسطى، ولاح له - كما لاح لكافور - أن الحلف المذكور يكون بذلك عثرة في سبيل الوحدة مع بيمونته بدلا من مساعدتها، أما في طوسكانه فحمل الدموقراطيون مع بعض أنصار الوزارة وبتشجيع من رتازي على جعل المؤسسات المحلية على طراز المؤسسات البيمونتية، وقام ريكاسولي بأعمال تقدمية عظيمة في الصناعة والإدارة، وسعى ريدولفي لجعل فلورنسة مركزا للثقافة والفنون في المملكة الجديدة.
وكانت الوحدة بنظر ريكاسولي لا تطلب قبول القوانين والمؤسسات البيمونتية، ومع ذلك فقد وافق على قبول نظام العملة والنقد البيمونتي وعلى إلغاء الجمارك وجوازات السفر، وتأسيس اتحاد بريدي، على أن هذه الأمور كلها كانت بنظر ريكاسولي قليلة الأهمية إذا قورنت بقضية الانضمام، ومهما كان التفاوت في الآراء بين ريكاسولي وفاريني فإنهما كانا على اتفاق تام في رفض الخضوع لأي ضغط أجنبي رفضا باتا، ولم يكن المرء يحتاج إلى كثير من الفراسة حتى يدرك بأن الإمبراطور سيعود فيلجأ إليهما.
وقد تعدلت آراء الإمبراطور بشأن طوسكانه بسرعة فأرسل في نهاية أيلول رسالة يلح فيها على الحكومات الأربع بصيانة استقلالها بثبات، وفي اليوم التالي لورود هذه الرسالة تفاهمت الحكومات المذكورة فيما بينها على دعوة المجالس التمثيلية، وتعيين الأمير «كايجناتو» ابن عم الملك فيكتور عمانوئيل وصيا إذا لم يوافق الملك على أن يتولى الملك بصورة مباشرة، وقد رفع العلم البيمونتي فوق سراي فيكيو في فلورنسة في اليوم الأخير من أيلول، ولكن الإمبراطور كان بعيدا كل البعد عن الموافقة على الانضمام.
ولم تكن رسالته تدل إلا على مزاجه المتبدل، فكان لا يزال يأمل بأنه يستطيع إقناع البابا بمنح الحكم الذاتي للروماني وتعيين فيكتور عمانوئيل نائبا عنه، كما أنه وعد بإعطاء بارمه لبيمونته، ومع أنه كرر قوله بأنه يحمي إيطالية ضد أي تدخل نمسوي فقد قال للوفد الفلورنسي بأن على مدينتهم أن تقبل ابن فرديناند، فأجابه الوفد بأن طوسكانه لن ترضى بأمراء اللورين، وتوعده بأن الطليان إذا فقدوا ثقتهم في نياته سوف يعملون على أن يمتد لهيب الثورة إلى نابولي وصقلية.
وكان لهذا الوعيد مفعوله الحسن بيد أن الإمبراطور كان ناقما على الانتقادات المرة التي كانت صحافة تورينو توجهها إليه، وحانقا على رتازي لضغطه على جرائد صافويه الانفصالية، على أنه بعد مرور بضعة أيام كتب للملك كتابا مفتوحا أصر فيه بشدة على آرائه الاتحادية مقترحا مرة أخرى عليه الانضمام، وقال فيه: إذا قبلت بيمونته مرة أخرى شروطه فسيمنح فنيسيه الحكم الذاتي، وسيجبر النمسة على جعل «مانتويه وبشييرا» من قلاع الاتحاد الإيطالي.
ناپیژندل شوی مخ