وبعد أن وثق كافور من معاضدة الإمبراطور إياه وجه اهتمامه لحل المشاكل الداخلية، التي لا تقل خطورة عن المشاكل الخارجية، إنه لم يكن يخشى شيئا من جانب بيمونته، وكان يعلم بأنها سوف تلبي نداء الملك وتقاوم العدو مهما كانت قوته، ولما عرض لائحة قرض جديد بأربعين مليونا من الليرات وافق المجلس عليها بأكثرية ساحقة، واقترح حزب اليسار بزعامة رتازي ضد اللائحة المذكورة، ولكن كافور أطلع رتازي على محادثات بلومبير فوعده بالمساعدة.
ثم دلت موافقة مجلس الأعيان على اللائحة على انحياز المحافظين الشيوخ إلى جانب القضية القومية، ولكن جهود بيمونته وحدها لا تكفي لظفر القضية الإيطالية، وإنما الواجب كان يقضي عليه بأن يمهد في إيطالية توافق تام في الآراء تتحطم أمامه كل معارضة سياسية ويكون من القوة بحيث تظفر فرنسة إلى الأخذ بيده وتشجع على ألا تقبل من حليفتها إلا مغنما شريفا.
وكانت الجمعية القومية قد سعت كثيرا إلى تنظيم هذا الاتفاق في الآراء، وأخذ كافور يسعى - من جانبه - لإكمال العمل الذي بدأت فيه الجمعية، وكانت سياسته في جر النمسة إلى الحرب تستند في مجموعها إلى التذرع بالحجة القائلة بأن لمبارديه وفنيسيه تكابدان اضطهادا لا يطاق، وأما إذا لم يستطع التذرع بهذه الحجة فإن الحرب تفقد سببها الأصلي.
ولم يكن للنمسة حليف سوى إنجلترة، أما فرنسة وروسية فأخذتا تضمران لها الخصومة أكثر من قبل، وأما بروسية فكانت تترقب بفارغ الصبر الفرصة التي تمكنها من استلام صولجان الزعامة في ألمانية فما على النمسة إذن سوى أن تظهر أمام العالم المتمدن بمظهر غير المستبد ولا سيما بعد أن اتهمها مؤتمر باريس بالاستبداد فرفعت الحجز عن الأملاك في نهاية 1856، ونصبت الأرشيدوق مكسمليان أخا الإمبراطور الصغير حاكما عاما على لمبارديه وفنيسيه لتهدئة الحال وإزالة الاستياء فيهما .
وكانت آراء مكسميليان السياسية مشبعة بالتسامح، ولو خير في الأمر لاختار إعطاء الدوقيتين إلى بيمونته وإنقاذ الروماني من الاضطهاد بضمها إلى الإمبراطورية وتأليف اتحاد إيطالي بزعامة البابا، ولكان منح لمبارديه وفنيسيه حكما ذاتيا واسع النطاق ومؤسسات تمثيلية وجيشا إيطاليا.
وكانت شمائله الشعبية وإسرافه في الإنفاق واعتماده على استشارته رجال البلد دائما، ورغبته الصادقة في مداواة أمراض الإيالتين والنشاط الذي بذله في هذا السبيل، ذلك كله جعل المعارضة تلقي سلاحها، والتف حوله بعض الأشراف المحافظين وبقايا الحزب المعارض لبيمونته، ذلك الحزب الذي أخلى الميدان بسرعة، وتخوف الأحرار وكافور من عواقب هذه السياسة التي يسلكها ماكسميليان وأن تؤدي إلى إقبال لمبارديه على التفاهم مع الأجنبي، ولم تكن مخاوفه في محلها لأن أهل لمبارديه وفنيسيه كابدوا من سوء الحكم القاسي منذ عشر سنوات ما يجعل التفاهم مستحيلا، وما جعل وداعة الميلانيين تنقلب إلى شراسة شديدة.
وقد صم الأحرار آذانهم عن سماع وعود مكسيميليان الخلابة، ولما رفضت الحكومة المركزية في النمسة مقترحات مكسيميليان انهار آخر أمل في التفاهم، وكان الحزب العسكري ما يزال مسيطرا على الأمور في فيينا.
وحدثت حادثتان جنونيتان قضتا على مساعي الأرشيدوق: أولاهما تخفيض قيمة العملة بتوحيدها في جميع أنحاء الإمبراطورية، وثانيها توسيع نطاق التجنيد بمنع المكلفين بالخدمة العسكرية من الزواج قبل الثالثة والعشرين من العمر، الأمر الذي أحدث تأثيرا سيئا في نفوس الناس وبث روح النفرة في نفوس القرويين.
وغدا كافور طليق اليد في تنفيذ خططه المتعلقة بباقي إيطالية، وتجنيد جميع عناصر الأمة وكفاياتها لاستخدامها في المعركة القادمة، وكان أنصاره المخلصون الذين يغتبطون بتأسيس مملكة قوية في شمال إيطالية؛ هم الأكثرية في بيمونته ولمبارديه وفنيسيه والدوقيات، ثم إن دعاة الوحدة الذين يؤلفون الجمعية القومية كانوا يزدادون يوما فيوما.
أما أنصار الحكم الذاتي، ولا سيما في طوسكانه ونابولي وهم القائمون باستغلال الدول الصغيرة والذين ينفرون من روح بيمونته العسكرية المحافظة؛ فكانوا مشتتين هنا وهناك. وأما الجمهوريون فقد أخذ عددهم يتضاءل ولكن صفوفهم لم تكن تخلو من العناصر ذات الرجولة القومية والحيوية .
ناپیژندل شوی مخ