============================================================
ان المحاسبي قد بالغ في استقصاء النفس الإنسانية في عصره، ودرس ميولها وخباياها ودسائسها من طبقة المريدين إلى طبقة كبار العارفين، وبث كل تلك التجارب في كتبه . وكتابنا هذا شاهد من شواهد صحة تلك الدعوى .
1- حينما يتحدث عن التكاثر في الأموال، فإنه يصف النفوس الصغيرة التي تستعين بنعم الله على مكاره الله، ويصف النفوس الكبيرة التي تستكثر من المال لأعمال البر والتعفف، ويصف نفوس العلماء الذين يكثرون الجدل حول جواز اقتناء المال الحلال، وعدم كراهيته، ثم يبحث في أثناء ذلك مدى استجابة التفوس للورع في الحلال، ومدى عدم استجابتها. وهو يرى المدى البعيد الذي أصاب التفوس من التشبث بالتكاثر في الأموال، ومدى تفاعل المال مع النفس البشرية فيهوله الأمر ويستعمل عبارات التخويف والترهيب من أمثال : ويحك ... أيها المفتون .. أيها المغرور... ولا يغفل المحاسبي عنصر المشاركة، الذي يخفف من وقع الترهيب والنقد على النفوس، فيقول: إخواني،.. هذا أمر لا يستطيعه مثلي،. وهو منهج مقرر في النقد الأدبي يرجح أديا على أديب، ويزيد من فساعلية واعظ على واعظ 1- وحيما يتحدث عن العلم وأفاته ينقد النفوس الصغيرة والكبيرة، من طلاب العلم إلى المتصدرين للإرشاد، لا يجامل ولا يداري، ولا يداهن: علماء عصره. وكيف يداهن هذا الرجل الغظيم غيره؟ . لقد علم الرجل علما، وعمل به خاصة في نفسه، ثم بعد ذلك طالب به غيره.
علم أن الدنيا تجانب لخمسة أشياء أنها منتنة ومشغلة للقلوب، وأنها تنقص غدا من درجات من ركن إليها، فلا يكون له من الدرجات كمن زهد فيها، وأن تركها قربة وعلوا عند الله، ولطول الحبس يوم القيامة بها، وطول الوقوف والسؤال عن شكر النعيم فيها .
وأخيرا . وهو منهج العارفين من كبار العليماء . أن أعظم ما ترفض الدنيا من أجله هو موافقة الرب في محبته، فيصغر الإنسان ما صغر الله،
مخ ۴۳