============================================================
في قعر بحر عجاج(4)، الذي أعذب ألسنة الذاكرين بحلاوة ذكره، وأرهب قلوب المتفكرين من خافة مكره، ووهب المزيد من تعمه لمديم شكره، ورحم أهل المعاصي تكرما في خفي سره، وعاد على العباد بحلمه، وستر ما أبطنوا بعلمه(5) الذي علم ما يكون قبل أن يكون، وسبق علمه بلج العيون(2)، واطلع على الغيب المكنون، ولم تبلغه الأوهام والظنون.
على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، فلا يرى(1)، وقرب فشهد النجوى، يعلم السر وأخفى مما هو أخفى، ما لم يقع في وهم الضمير من حبيس خطرات العارفين، ومعانى ضمائر الصامتين (2)، ومذاهب نيات المتكلمين، الذي ليس كمثله شيء ، وهو خالق الأشياء حين لا شيء(9) قسم بيد خلقهم أقواتهم، واخترع لهم مثالات أشكالها، واختلاف صور انشائها، فلم يعيه خلق الخلائق كلهم، ولم تشتبه عليه مثالات صورهم، ولا تيز لغاتهم، واختلاف مذاهبهم، ولا تلوين آجسادهم، ولا مشكلات معاني الفاظ أصواتهم، ولا تغيير نغم السنتهم ، ولا دقيق خفي ما بطن منهم : وكيف يعجز عن ذلك وهو خلقه ، وهو في قبضته وأمره، فكونهم بين الكاف والنون ، لقوله عز وجل : { إنما قولنا لشيء إذا آردناه أن نقول له كن (4) بحر عجاج : متلاطم الموج 5) أي: علم ما احتوت عليه بواطنهم من النوايا، وسترها في علمه. ولم يفضحهم بها (2) بلج العيون : وضوحها وظهورها () يريد أن يقول : إن الله تعالى استوى على العرش، وأحاط بكل شيء واحتواه، ومما أحاط به عالم الملك الظاهر، فاحتجب به فلا يراه أحد (8) عالم الخفاء على هذا كما يراه المحاسبي ثلاث مراتب : السر، وهو ما أسره الإنسان من الخطرات.
والأخفى من السر، وهو الخواطر التي لم تستقر بعد ولم تتميز . والأخفى من الأخفى ، وهو: الخواطر التي لم تقع بعد في عالم الوهم ، وإفما قسم للعارف أن ينازلها ويظفر بها .
(9) هذا رد على المعتزلة وانظر (أسرار الآيات لصدر الدين الشيرازي طبع طهران 1895) وخلاصته، وانظر رسالة الواردات للشيخ محمد عبده ص 14-12
مخ ۲۲۰