دخل علي زوجي ذات يوم وهو يتبسم تبسم الدهاء والمكر، وقال لي: اسمعي يا مادلين ما أقوله لك؛ فأنا قد عزمت على الذهاب الآن، وربما لا أعود قبل الغد، ولكني وعدت صديقي «فوستر» بأن يتناول عندي الغداء في هذا النهار؛ فعليك أن تقابليه بكل لطف وبشاشة، وتقومي بكل ما يلزم له من مظاهر الاحتفاء والإكرام، وإني أؤمل أنك تجدين فيه من اللطف والدعة ما يحبب إليك مجالسته؛ لأنه حلو الشمائل، جذاب الملامح، وقد أوقع كثيرات من النساء الجميلات في أشراك حبه.
فتعجبت من كلام زوجي وقلت له: وماذا يهمني يا راعول من أمر هذا الرجل حتى تطنب لي في وصف أخلاقه ومحاسنه؛ فأنا - والحق يقال - لا أجد في نفسي ميلا إلى مقابلته ومحادثته. - هذا ما تقوله النساء دائما عن كل رجل يحبونه، وأنا أبشرك بأن فوستر هو أيضا عاشق متيم، ومحب ولهان. - إني أراه في سن الرشد والكمال؛ فكيف يكون هذا حاله؟ - إن الإنسان لا تنتهي مطامعه أو تقف شهواته عند حد، ولا يغيرها السن أو تؤثر فيها تقلبات الأيام. - ولكن ماذا يهمني أنا من كل ذلك؟ - إذا كان لا يهمك هذا الأمر؛ فأنا أرى أنه يهمني كثيرا. - إني لا أفهم معنى كلامك يا راعول. - وأنا أريد أن تفهمي كل شيء الآن، قلت لك: إن فوستر عاشق ولهان، والذي يحبه هو أنت يا مادلين! - يظهر أن هذا الرجل فاسد الأخلاق دنيء النفس؛ فأنا أبغضه وأحتقره منذ هذه الساعة. - ولكن سها عنك يا مادلين أن فوستير هو من أعز أصدقائي، وعلى كل حال؛ فأنا أطلب إليك أن تحسني مقابلته وتسعي جهدك في إرضائه؛ لأن لذلك أسبابا سوف تعلمينها.
قال ذلك: ثم خرج مهرولا وأقفل وراءه الباب بشدة، وبعد برهة اندفع الباب فدخل فوستر يميس هجبا ويتمايل طربا، وهو رجل يتجاوز الخامسة والثلاثين من العمر، تلوح عليه سمات الفطنة والذكاء وحب اللذات والشهوات، وهو من أشهر تجار مدينتنا وأغناهم؛ فلما دنا مني حياني بكل لطف ودعة، ثم اقترب من المكان الذي كنت جالسة فيه، فجلس بجانبي والتصق بي، وأخذ يداعبني ويغازلني بألفاظ لا أتذكرها الآن فابتعدت عنه، ونظرت إليه نظرة الغضب والامتهان.
فتظاهر بأنه لم يفهم قصدي، وزاد اقترابه مني، ثم أراد أن يمسك بيدي فنزعتها منه بشدة وقلت له: ما هذا الحال يا سيدي، وماذا تريد مني؟
أجاب فوستر: بالله دعي عنك يا مادلين هذا الصد والدلال وارثي لحال حبيب مسكين يرجو رضاك وينتظر نوال السعادة على يدك. - وما معنى هذا الكلام يا سيدي؟ - يا لله من قلوب النساء؛ فما أشد قساوتها؛ فهل لم تدركي يا سيدتي مرادي ولم تعرفي في حقيقة قصدي إلى الآن، فها إني أنبئك بما تجهلين، فأنا فوستير التعيس الذي أضناه حبك وتأججت نيران الوجد والهيام بين أضلاعه، فجاء يطلب منك الشفاء ويرجو الرضاء، فعسى أن تشفقي عليه ولا ترديه خائبا. - يظهر يا سيدي إنك قد ضللت في الطريق فدخلت هذا البيت سهوا وأنت تظنه من بيوت الهوى، فأرجوك أن ترجع من حيث أتيت لأن ما فعلته يخالف ناموس الشرف والآداب.
وعلى إثر ذلك نهضت على قدمي بكل حماسة وفتحت أمامه الباب معتذرة إليه عن صدور هذه الجسارة مني؛ لأني فعلت ذلك رغما عن إرادتي.
أما فوستر فلم يعبأ بهذا التصريح الجارح وتظاهر بعدم الفهم، ثم بادر إلي فأمسك بيدي وأجابني بكل هدوء وسكينة.
لا تخشي يا سيدتي ولا تضطربي؛ فقد صدر الأمر بأن لا يدخل هذه الغرفة أحد سواي، وقد خلا لنا الجو ونامت عيون العواذل والرقباء.
قلت: ومن أصدر هذه الأوامر؟
قال: إن خادمتك دانيز أخبرتني أن زوجك هو الذي أمر بذلك.
ناپیژندل شوی مخ