254

بتقريب أن قول القائل : إن جاءك زيد فأكرمه ، معناه أن وجوب الإكرام معلق على المجيء ومسبب عنه مطلقا سواء سبقه شيء أو قارنه أم لا ، وهذا الإطلاق ملازم للحصر ؛ إذ لو كان في البين سبب آخر وسبق المجيء لم يستند وجوب الإكرام إلى المجيء ، أو قارنه لم يستند إلا إلى المجموع.

وجوابه مضافا إلى احتياجه كسابقه ولا حقه إلى مقدمات الحكمة وهي غير جارية على وجه الكلية أن التمسك بهذا الإطلاق غير منتج ؛ إذ لنا أن نأخذ به مع عدم كونه ملازما للحصر ومنافيا للتعدد ؛ إذ لو قلنا بتعدد المسببات عند تعدد الأسباب فكل سبب يقتضي مسببا مستقلا من دون أن يرتبط مسبب هذا بذاك ولا مسبب ذاك بهذا ، فيكون الإطلاق صحيحا على أى حال.

وأما لو قلنا بوحدة المسبب وعدم قبوله للتكرار فكذلك على القول بكون المسبب هو الوجوب ؛ إذ كل سبب يقتضي وجوبا مستقلا ، غاية الأمر صيرورة الوجوبات وجوبا واحدا متأكدا ، وعلى القول بكونه هو الوجود أيضا يبتنى صحة التمسك بالإطلاق المذكور على القول بظهور القضية الشرطية في السببية المستقلة ؛ إذ على هذا ينتفي وصف الاستقلال عند سبق سبب آخر أو مقارنته.

وأما على ما اخترناه من عدم ظهور القضية في ذلك فلا ؛ لإمكان حفظ الإطلاق على كل حال أيضا ، وذلك لثبوت أصل السببية في صورتي السبق والمقارنة ، غاية الأمر كونها على نحو الشركة.

فتحصل أن التمسك بهذا الإطلاق لإثبات الحصر مبني على ثلاث مقدمات كلها قابلة للمنع : كون المسبب غير قابل للتكرار ، وكونه هو الوجود ، وكون الظاهر من القضية الشرطية هو السببية المستقلة.

ومنها : التمسك بإطلاق نفس الشرط بتقريب أنه لو لم يكن السبب منحصرا بل كان أحد الأمرين احتاج إلى ذكر العدل ، بخلاف ما إذا كان منحصرا ، فإنه لا يحتاج إلى سوى ذكر السبب الواحد ، فإذا قال : إن جاءك زيد فأكرمه ولم يقل : أو أحسن إليك عقيب قوله : إن جاءك مثلا مع كونه بصدد البيان ، كان هذا دليلا

مخ ۲۵۷