اورګانون جدید
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
ژانرونه
41
بتفنيدات عدائية، أخذ أرسطو يؤسس أحكاما في كل شيء، ثم أخذ هو نفسه يطرح اعتراضات من عنده؛ كيلا يلبث أن يتصدى لها، بحيث لا يترك أمرا إلا وهو يقيني محسوم، وهي طريقة ما زالت قائمة اليوم بين أتباعه.
أما مدرسة أفلاطون فأدخلت مذهب الشك، بدأ ذلك هزلا وتهكما من جراء استيائها من قدامى السوفسطائيين - بروتاجوراس وهيبياس وغيرهما - الذين كانوا يستخذون من الظهور بمظهر من يتردد بإزاء أي شيء، غير أن الأكاديمية الجديدة تصلبت في الشك واتخذته عقيدة، إنه لمنهج أكثر صدقا من الترخص في سك الأحكام؛ لأنهم قالوا بأنهم لا يقوضون كل بحث بأي حال مثلما كان يفعل فيرون و«المتوقفون عن الحكم»
Ephectici ، بل يسمحون باستقصاء بعض الأمور على أنها احتمالية، وإن لم يسمحوا بأي شيء أن يؤخذ كحقيقة، غير أن العقل البشري ما إن ييأس من العثور على الحقيقة حتى يأخذ شغفه بكل الأشياء في الخمود، وينتهي الأمر بأن ينصرف الناس إلى مناقشات وأحاديث لطيفة، وإلى نوع من التطواف حول الأشياء دون المثابرة على البحث الجاد، ولكن - كما أسلفنا في البداية وكما نؤكد على الدوام - فإن علينا ألا ننتقص من سلطة الحواس البشرية والفهم البشري - على قصورهما - بل علينا أن نزودهما بما يساعد ويعين. ••• (68) انتهينا الآن من عرض لمختلف ضروب «الأوهام»
idola
وخصائصها، وكلها أوهام ينبغي التخلي عنها وشجبها، وتطهير العقل وتحريره منها، حتى لا يبقى ثمة إلا مدخل واحد إلى مملكة الإنسان، المدخل القائم على العلوم، مثلما أنه «لا مدخل إلى مملكة السماء إلا عبر طهارة الطفولة».
42 ••• (69) غير أن البراهين الزائفة هي حصون «الأوهام» ودفاعاتها، والبراهين التي لدينا في المنطق لا تعدو أن تخضع العالم وتسخره للأفكار البشرية، وتخضع الأفكار للألفاظ، ولكن البراهين هي نفسها - بمعنى ما - فلسفات وعلوم، فكيفما تكن البراهين سديدة أو واهية تكن الفلسفات والتأملات المترتبة عليها، غير أن البراهين التي نستخدمها في العملية بأكملها التي تمضي من الحواس والأشياء إلى المبادئ والاستنتاجات هي براهين مغلوطة وواهية؛
43
فأولا: انطباعات هذه الحواس نفسها خاطئة؛ لأن الحواس تخذلنا وتخدعنا، ولا بد من أن نعالج الثغرات ونصحح الأخطاء، وثانيا: التصورات تستمد من انطباعات الحواس بطريقة غير قويمة، وهي ملتبسة ومشوشة حيث ينبغي أن تكون محكمة ومحددة المعالم ، وثالثا: الاستقراء الذي نستخدمه خاطئ؛ لأنه يقرر مبادئ العلم بناء على التعداد البسيط، ودون استخدام الاستبعاد والفصل أو التحليل الصحيح للطبيعة، وأخيرا: فإن طريقة الكشف والبرهان التي تبدأ بوضع المبادئ الأعم ثم تجعل منها محكا للمبادئ الوسطى فتختبر المبادئ الوسطى بمضاهاتها بالمبادئ العامة، هذه الطريقة هي أم الأخطاء، وهي كارثة كل العلوم، وإذا كنا الآن نمر على هذه الأشياء مرورا عابرا فسوف نعرض لها باستفاضة حين نتناول الطريقة الصحيحة لتفسير الطبيعة، بعد أن ننتهي من عملية تنقية العقل وتطهيره. ••• (70) ولكن أفضل برهان على الإطلاق هو التجربة، شريطة أن يبقى ذلك لصيقا بالتجربة الفعلية، فمن المغالطة الامتداد بها إلى أشياء أخرى شبيهة في الظاهر ما لم يكن يتم هذا الاستدلال بطريقة منهجية حذرة، أما الطريقة التي يجري بها الناس التجارب
44
ناپیژندل شوی مخ