أن يكون أداة قمع وتعذيب وتنكيل بيد حاكم ظالم، ابتعد عن الإسلام وابتعد الإسلام عنه، فراح يعيث فسادا في الأمّة وفي أبنائها معتمدا على فقيه سوء وسجّان مجنون.
ومن بديع حكمة الله تعالى وفضله أن يشمل أدبنا كلّ نواحي الحياة، فلم يدع بابا إلاّ طرقه، ولا بقعة مظلمة إلا أنارها، ونظرا لتداخل موضوع السجن بين السياسة والأدب، والفقه واللغة فقد تناول هذا الجانب كلّ حسب اختصاصه، وكان أولهم بسطا لهذا الموضوع كتب الفقه فنجد أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم المتوفى سنة ١٨٢ هـ قد جعل في كتابه «الخراج» فصلا في أهل الدّعارة والتّلصص والجنايات، وما يجب فيه من الحدود، تحدث عن الحبس وشروطه والسجان وما يجب أن يتحلّى به من خير وصلاح، وما يجري على السجناء من صدقة مال وكساء وأكل وغير ذلك.
أما المكتبة الأدبية فقد أدرجت حديث السجن والمسجون في أثناء أبوابها وفصولها، ولم تخصّص للسجن بابا مفردا وربّما كان الجاحظ أبو عثمان بن بحر المتوفى سنة ٢٥٥ هـ أول من أفرد بابا عن الحبس في كتابه «المحاسن والأضداد» كذا نجد ابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ هـ في كتابه «عيون الأخبار» أفرد فصلا لطيفا عن السجن في كتاب السلطان، وإبراهيم بن البيهقي الذي كان حيّا زمن المقتدر بالله (٢٩٥ - ٣٢٠) في كتابه «المحاسن والمساوئ».
وهنالك كتب صلبها عن السجن والسجّان، والضيق والكرب، ولكن الأخبار أتت منثورة لا يجمعها ناظم، ولا يلمّ شتاتها ضابط، ففي كتاب «الفرج بعد الشدّة» لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا المتوفى سنة ٢٨١ هـ نرى أخبار السجن قد طغت على صفحات الكتاب، وكذلك الشأن في كتاب «الفرج بعد الشدة» للمحسّن بن علي التنوخي المتوفى سنة ٣٨٤ هـ يكاد يكون الجزء الأكبر من الكتاب حول السجن ابتداء من ارتكاب المخالفة
1 / 10