87

Unnamed Book

دروس للشيخ صالح بن حميد

ژانرونه

الزلازل والكوارث آيات ونُذُر الحمد لله، الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدرًا، وأحاط بكل شيء خبرًا، أحمده سبحانه وأشكره، نعمه علينا تترى، أسبل علينا من رحمته سترًا، وأفرغ علينا بفضله صبرًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، خُص بالمعجزات الكبرى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله ﷿، فاتقوا الله رحمكم الله، واحفظوا الله ما استحفظكم، وكونوا أمناء على ما استودعكم، فإنكم عند ربكم موقوفون، وعلى أعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء:٢٢٧]. أيها المسلمون: لقد قضت سنة الله ﷿ أن تُبتلى النفوس في هذه الدنيا؛ بالخير والشر، والأمن والخوف، والمنح والمحن، والأقربين والأبعدين: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء:٣٥] ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران:١٨٦]. وإن هذه الابتلاءات بأنواعها تستجيش أصغر القوى، وتستثير كامن الطاقات، وتفتح في القلوب منافذ، وفي النفوس مسارب ما كان ليتبينها أهل الإيمان إلا تحت مطارق هذه التقلبات والابتلاءات. وفي هذه الأيام الأخيرة المتسارعة فقدنا علماءً وملوكًا، وأمراءً وأعيانًا، في مواقف من الجنائز تشيعونها كل يوم وساعة عزَّ فقدهم، وشقَّ فراقهم، ولكنهم ذهبوا بآجالهم وعاشوا من الأيام ما كُتِب لهم، هم السابقون ونحن اللاحقون رحمنا الله وإياهم وعفا عنا وعنهم، وغفر لنا ولهم. وتلاحقت آياتٌ ونُذُر كسوفٌ وزلازل في أحداث مهيبة، وآياتٍ منذرة يخوف الله بها عباده، وما أصاب إخواننا المسلمين في تركيا من مصاب جلل هز القلوب أعظم مما هز الأرضين، وإن مشاهد الضحايا والمنكوبين لتتفطر لها الأفئدة نسأل الله أن يرحم موتانا وموتاهم، ويشفي مرضانا ومرضاهم، ويجنبنا وإياهم الزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. أيها المسلمون: آيات الله وابتلاءاته يرسلها على عباده نذرًا وتخويفًا خسوفٌ وكسوفٌ؛ وزلازلُ وفيضانات ورياحٌ وأعاصيرُ أوبئةٌ وأمراضٌ آيات لا تمنعها حدودٌ جغرافية، ولا تقوى عليها تحالفاتٌ دولية، ولا تقف دونها نظم التفتيش الأمنية، ولا تُفْرَض عليها مقاطعاتٌ عالمية، بل لا تفرق بين خصومٍ وحلفاء صورٌ من صور العولمة الحقيقية إذا كانوا جادين في تحييد المصطلح آثارها وكوارثها لا تبين بين المصابين والضحايا. وإن من العقل والبصر الوقوف عند هذه الآيات لعل الله أن يوقظ القلوب من الغفلة ويرحم بالرجوع إليه. عباد الله: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، سبحانه وبحمده، لا يقع شيء في كونه إلا بإذنه: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة:٢٦] فيزدادوا إيمانًا مع إيمانهم، كما يزدادوا خوفًا ومحاسبةً ورجوعًا وإنابةً واستغفارًا وتوبة، وأما الذين في قلوبهم مرض فحالهم كحال الماديين والملاحدة الذين لا يرون إلا الأسباب المادية البحتة، وأما النذر الإلهية والحكم الربانية فهم عنها غائبون، لا يرفعون بها رأسًا، ولا يلقون لها اعتبارًا.

6 / 2