[82_2]
العقائد، فأصبحوا يحتالون للاحتجاج على صحتها بأدلة عقلية، ونظر جديد، ووقع من حاولوا ذلك من العلماء بين نارين: نار شبها عليهم أبناء دينهم ممن لم يرتضوا طريقتهم، وأخرى أوقدها من كان يراد إرجاعهم إلى الصواب، وأبو جعفر المنصور يحيط برعايته علماء الكلام، وكان من المقدمين فيهم.
وأخذت مذاهب الفرق الإسلامية كالشيعة والخوارج تتعين، وأصبح لكل فؤيق مذهب على حياله، وكانت مذاهبهم سياسية، فغدت سياسية ودينية معا، وأخذوا فعل أهل السنة، يسعون إلى تدوين مذاهبهم، وما خالفوا فيه الجماعة، واشتد الأخذ والرد بين أهل الحديث وأهل الرأي اشتداده بين علماء النقل وعلماء العقل، وما كانت المذاهب المعتمدة هي المعول عليها وحدها في القضاء، بل يجتهد كل عالم بما يعلم، ويقضي بالكتاب والسنة والإجماع؛ ومنهم من يضيف إلى ذلك القياس والعرف. وتمت للموالي الذين أسلموا على أيدي رجال من العرب وغيرهم من أبناء الروم وفارس ومصر وإفريقية مشاركة قوية في هذه النهضة الدينية، على ما كان للنساطرة واليعاقبة والصابئة وغيرهم من أياد بيض في نقل علوم الطب والفلك والرياضيات والفلسفة وغيرها، وظهر التصوف بظهور أناس من النساك في خراسان والعراق، على مثال زهاد الهنود وغيرهم.
وسرى الفساد إلى اللغة وعلقت العجمة تذهب ببهجتها، واحتفظت البادية حتى آخر المائة الأولى بجمال لهجتها، فلا تكاد تعرف لها لحنا، وعرض الفساد خاصة لألسن البلديين والمولدين، بمن نزل عليهم من صنوف الحمراء أو الأعاجم، يدخلون في دين الأمة، ويختلطون بالعرب، فهب العلماء يتلقون اللغة من ألسن أبنائها الأقحاح في جزيرة العرب، فدونوا ما أمكنهم تدوينه من ألفاظها وتراكيبها، ومن شعرها؛ وأصبح الشعر الجاهلي خادما للكتاب والسنة، وتم وضع علم النحو والعروض وكثر التدوين.
مخ ۸۲