[6_2]
يقولوا شعر معجز؛ كيف والسجع مما كان يألفه الكهان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر، لأن الكهانة تنافي النبوات وليس كذلك الشعر.
وسواء كان القرآن سجعا أو ما يشبه السجع فهو من الكلام المنثور الذي لا تبلغ قرائح البلغاء مداه، ما عرف شبيه له بهذه الروعة وهذه العبقة. يقول الجاحظ: لو أراد أنطق الناس أن يؤلف من هذا الضرب سورة واحدة طويلة أو قصيرة على نظم القرآن وطبعه وتأليفه ومخرجه لما قدر عليه، ولو استعان بجميع قحطان ومعد بن عدنان، وقال أيضا: ولو أن رجلا قرأ على رجل من خطبائهم وبلغائهم سورة واحدة لتبين له في نطامها ومخرجها من لفظها وطابعها أنه عاجز عن مثلها، ولو تحدى به أبلغ العرب لأظهر عجزه عنه لغا ولفظا.
الأسلوب الأول:
احتفظت الكتابة والخطابة في عصر الصحابة ومن بعدهم بالطريقة التي ما حدقوا غيرها، وهي تدور على توفية المعنى واللفظ حقهما، مع البعد عن الإطناب والمبالغة، والقصد إلى الإيجاز والسهولة، يرسلون الكلام إرسالا بلفظ سمح، ومخرج سهل، إملاآتهم كأحاديثهم ابنة السليقة وربيبة الغريزة، خالية من كل ما هو متكلف مصنع. بكلمات مؤلفات، إن فسرت بغيرها عطلت، وإن بدلت بسواها من الكلام استصعبت، فسهولة ألفاظهم توهمك أنها ممكنة إذا سمعت، وصعوبتها تعلمك أنها مفقودة إذا طلبت، وكانوا يقولون : البلاغة هي التقرب من البعيد، والتباعد من الكلفة، والدلالة بقليل على كثير، وقالوا: البلاغة إيجاز في غير عجز، وإطناب في غير خطل، وإن البلاغة إجاعة اللفظ وإشباع المعنى. وقال علي بن أبي طالب: ما رأيت بليغا قط إلا وله في القول إيجاز، وفي المعاني إطالة، وقيل لعمرو بن العلاء: هل كانت العرب تطيل؟ قال: نعم ليسمع منها.
مخ ۶