[36_2]
والبعلبكي المؤذن وسلام الحادي، فهم بقتلهم جميعا فقال سلام: استبقني يا أمير المؤمنين فإني أحسن الحداء، قال: وما بلغ من حدائك؟ قال: تعتمد إلى إبل فتظمئها ثلاثة أيام ثم توردها الماء، فإذا بدأت تشرب رفعت صوتي بالحداء، فترفع رؤوسها وتدع الشرب، ثم لا تشرب حتى أسكت؛ فأمر المنصور بإبل ففعل بها ذلك، فكان الأمر كما قال، فاستبقاه وأجازه وأجرى عليه. وقال له البعلبكي: استبقني يا أمير المؤمنين فإني مؤذن منقطع القرين، قال: وما بلغ من أذانك؟ قال: تأمر جارية فتقدم إليك طستا، وتأخذ بيدها إبريقا، وتصب الماء على يدك، فأبتدئ بالأذان فتدهش ويذهب عقلها إذا سمعت أذاني، حتى تلقي الإبريق من يدها وهي لا تعلم؛ فأمر المنصور جارية ففعلت ذلك، وأخذ البلعلبكي في الأذان، فكانت حالها كما وصف. وقال عبد الحميد: يا أمير المؤمنين، إني فرد الزمان في الكتابة والبلاغة، فقال: ما أعرفني بك! أنت الذي فعلت بنا الأفاعيل، وعملت لنا الدواهي؛ وأمر به فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه. ويروي أنه سلمه إلى عبد الجبار فكان يحمي له طستا ويضعه على بطنه حتى قتله.
ويقول اليعقوبي إن عبد الحميد تخلف بمصر واستتر حتى دل عليه صالح ابن علي. وزاد غيره: إنه لما انهزم اختبأ في كنيسة في بوصير من أرض مصر. وقال آخرون إنه استخفى بالجزيرة عند عبد الله بن المقفع فغمز عليه - وكان صديقة - وفاجأهما الطلب وهما في بيت، فقال الذين دخلوا: أيكما عبد الحميد؟ فقال كل واحد منهما: أنا، خوفا على صاحبه، وأوشك الجند أن يقتلوا ابن المقفع، لو لا أن صاح بهم عبد الحميد قائلا: ترفقوا بنا، فإن لكل منا علامات، فوكلوا بنا بعضكم، وليمض البعض الآخر إلى من وجهكم، فيذكر له تلك العلامات، ففعلوا واخذوا عبد الحميد. وفي رواية عبد الحميد لم يختبئ في الجزيرة عند أبن المقفع، بل قبض ساعة قتل مولاه مروان، وأن عامر بن إسماعيل لما قتل مروان ظفر
مخ ۳۶