[34_2]
كتب عبد الحميد قليلا عن هشام بن عبد الملك كما عرف من رسالة كتبها عن هشام إلى يوسف بن عمر الثقفي وهو باليمن، وقد كان على اليمن منذ سنة 107، أي أن ديوان هشام كان المدرسة الأولى التي تخرج بأساتذتها عبد الحميد في علوم الإنشاء؛ ويمكن أن يقال إنه كان من أول نشأته على اتصال مع من يعرف الخلفاء، وما يقتضي لخدمة الحكومات من الأدوات؛ وذكروا انه حدث عن سالم بن هشام، ولعله سالم مولى هشام، وحدث عنه خالد بن برمك. وقالوا إن عبد الحميد كان في حداثته معلما في الكوفة، ولعله مرن على حفظ مسائل كثيرة من تأديبه الأطفال زمنا؛ والمؤدبون كانوا طبقة راقية في القرون الأولى للإسلام . وكانت الكوفة لما ألقى بها عصى الترحال لأول أمره محط رحال رجال العلم في الدين واللغة والنحو والتصريف؛ ولا شك أنه ثافن أهل البلاغة فيها وأخذ عنهم، وهناك حدث له غرام بتمثيل كلام علي ابن أبى طالب. فقد سئل ما الذي خرجك في البلاغة؟ فقال: حفظ كلام الأصلع يعني عليا، وكانت الكوفة من البلدان التي أحبها أمير المؤمنين وأحب أهلها وأحبوه.
وفي زمن لم نثبته جيدا اتصل بمروان بن محمد وهو وال على أرمينية يحارب الخارج فيها على الخلافة، فكتب عنه، وحظي عنده، وانقطع إليه؛ ولما عقدت البيعة لمروان في الشام سجد مروان وأصحابه شكرا لله، إلا عبد الحميد، فقال له مروان: لم لا سجدت؟ فقال: ولم أسجد على أن كنت معنا فطرت عنا، يعني بالخلافة؟ فقال: إذا تطير معي، فقال: الآن طاب السجود وسجد. وكتب لمروان طوال خلافته.
ترى هل يكون الاختلاف في نسب عبد الحميد سببا يدعونا إلى أن نرجح أجداده كانوا من سبي القادسية؟ وسواء صحت هذه النسبة أم لم تصح فإنه تأثر لا محالة بعادات الفرس وعرف أساليبهم في الكتاب والخطاب. وعلى كل فإن المجال الذي
مخ ۳۴