وحدث أن كان نبتيون في حرب مع الإثيوبيين، فانتهزها الآلهة فرصة سانحة، وعقدوا مجلس الأولمب في ذروة جبل أيدا، وتفضل الإله الأكبر «زيوس» فافتتح الجلسة بكلمة مخلصة توجع فيها لما يلقاه بنو الإنسان من صروف الحدثان، واستطرد فذكر مأساة أجاممنون المسكين، وما لقيه على يدي زوجه وعشيقها الأثيم إيجستون من غدر وغيلة، ثم أنحى باللائمة على هؤلاء البشر البائسين الذين يقولون إن كل ما يصيبهم من خير وضير هو من عند الآلهة، وما هو إلا من عند أنفسهم، ولكن لا يفهمون!
ثم نهضت مينرفا ربة الحكمة ذات العينين الزبرجديتين، فأيدت ما قال أبوها سيد الآلهة، وأثنت عليه، ثم ذكرت أوديسيوس؛ «ذلك التعس المسكين الذي تخبطه
2
وصحبه البحر، وقضى عليه - دون أقرانه جميعا - أن يشقى هذا الشقاء الطويل عند عروس الماء الفاتنة كالبسو في جزيرة أوجيجيا ثمانية أعوام أو يزيد. ما ذنبه؟ ما جريرته؟ لماذا ينفى هذا العبد الصالح في أقصى الأرض يا أبي، إنه خير عبادك أجمعين، أذكر كم ضحى في الأضحيات باسمك، وقدم القرابين من أجلك، وحارب أعداءك، وجاهد شانئيك! لقد نمى إلي أن كالبسو تحاول جاهدة أن تستميل قلب البطل، وأن تنسيه وطنه إيثاكا، يا للهول! كيف يا أبتاه؟! وهذه الزوجة التاعسة بنلوب؟ بنلوب المحزونة المرزأة، بنلوب التي صبرت وصابرت طوال هذه السنين على ما كرثها الدهر به من بعد زوجها، بنلوب التي حافظت على طهرها وإخلاصها، أتظل هكذا سجينة في قصرها المنيف الباذخ؟ ويظل هذا القصر محاصرا بعشاقها المجانين من أمراء الأقاليم؟ أبي! يا سيد الأولمب، ألا تدرك برحمتك أوديسيوس وترده إلى وطنه ليذود هذه الكلاب التي ولغت في حوضه، وكادت تخوض في عرضه؟ تداركه يا أبي، تداركه بعطفة واحدة منك، وإنك على إنقاذه لقوي مكين.»
واستجاب لها سيد الأولمب، وقضى أن يعود أوديسيوس إلى إيثاكا، لكنه ذكرها برب البحار نبتيون، وذكرها بما بينه وبين البطل من ترات وثارات، «سببها هذه الفعلة الجنونية التي فعلها أوديسيوس بواحد من السيكلوبس
3
أبناء نبتيون؛ إذ اقتلع عينه الواحدة التي كان ينعم بسبيلها بزينة الحياة. اطمئني يا بنية وقري عينا، إننا نحن الأعلون، وسيرى نبتيون أنه لن يغلب الآلهة مجتمعة أبدا.»
وشاعت الغبطة في أعطاف مينرفا، وتضرعت إلى مولاها أن ينفذ ولده هرمز إلى جزيرة أوجيجيا، فيأمر عروس الماء كالبسو أن تعد مركبا عظيما لأوديسيوس ورفاقه؛ ليعودوا عليه إلى أوطانهم، ثم ذكرت أنها ستمضي من فورها إلى إيثاكا حيث العشاق المآفين يحاصرون قصر بنلوب، وحيث ابن أوديسيوس المنكود، تليماك، يشهد خراب مملكة أبيه ولا يستطيع أن يحرك ساكنا لصغر سنه؛ «إني سألهب إحساسه، وأفتح عينيه على ما ينبغي، سأجعله يخرج من هذه العزلة المعيبة ليبحث عن والده؛ فإنه لم يعد طفلا بعد.»
هبطت مينرفا من السماء إلى الأرض، وانقلبت فاتخذت شكل الآدميين، ولمحها تليماك، وهب للقائها.
وانطلقت مينرفا فربطت نعليها السحريين على قدميها الجميلتين، وحملت رمحها العظيم الذي تقطر المنايا من سنانه، ووضعت تاجها المرصع على رأسها الكبير، وأطلقت ساقيها للريح، حيث كانت بعد لحظة على مقربة من قصر أوديسيوس، فهبطت من السماء إلى الأرض، وفي لمحة انقلبت فاتخذت شكل الآدميين، وتخايلت في هيئة الأمير منتش
ناپیژندل شوی مخ