تفسير التبيان ج1
تعلقت بان يستعمل الالفاظ المحتملة ويجعل الطريق إلى معرفة المراد به ضربا من الاستدلال ولهذه العلة أطال في موضع وأسهب واختصر في آخر وأوجز واقتصر وذكر قصة في موضع وأعادها في موضع آخر واختلفت أيضا مقادير الفصاحة فيه وتفاضلت مواضع منه بعضه على بعض والجواب الثاني: ان الله تعالى انما خلق عباده تعريضا لثوابه وكلفهم لينالوا اعلى المراتب واشرفها ولو كان القرآن كله محكما لا يحتمل التأويل ولا يمكن فيه الاختلاف لسقطت المحنة وبطل التفاضل وتساوت المنازل ولم تبن منزله العلماء من غيرهم وانزل الله القرآن بعضه متشابها ليعمل أهل العقل افكارهم ويتوصلوا بتكلف المشاق والنظر والاستدلال إلى فهم المراد فيستحقوا به عظيم المنزلة وعالي الرتبة فان قيل: كيف تقولون، ان القرآن فيه محكم ومتشابه، وقد وصفه الله تعالى بأنه اجمع محكم؟ ووصفه في مواضع أخر بأنه متشابه وذكر في موضع آخر ان بعضه محكم، وبعضه متشابه - كما زعمتم - وذلك نحو قوله: " الر. كتاب احكمت آياته "(1) وقال في موضع آخر: " الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها "(2) وقال في موضع آخر: " وهو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات "(3) وهل هذا إلا ظاهر التناقض؟ قلنا: لا تناقض في ذلك، لان وصفه محكم كله، المراد به انه بحيث لايتطرق عليه الفساد والتناقض والاختلاف والتباين والتعارض، بل لاشئ منه إلا وهو في غاية الاحكام - إما بظاهره او بدليله، على وجه لا مجال للطاعنين عليه.
ووصفه بانه متشابه أنه يشبه بعضه بعضا في باب الاحكام الذي أشرنا اليه، وأنه لا خلل فيه ولا تباين ولا تضاد ولا تناقض. ووصفه بان بعضه محكم، وبعضه متشابه ما اشرنا اليه ، من ان بعضه ما يفهم المراد بظاهره فيسمى محكما ومنه ما يشتبه المراد منه بغيره وان كان على المراد والحق منه دليل فلا تناقض في ذلك بحال.
---
(1) سورة هود آية 1.
(2) سورة الزمر آية 23.
(3) سورة آل عمران آية 7.
مخ ۱۱