ثم اللحم وهو حسو جلد وعليه وضع هذه الأعضاء في الطب وقوتها التي تندعم به وكل عضو فله في نفسه قوة غريزية بها يتم له أمر التغذي وذلك هو جذب الغذاء وإمساكه وتشبيهه والصاقة ودفع العضل ثم بعد ذلك تختلف الأعضاء فبعضها له مضافا إلى هذه القوة قوة تصير منه إلى غيره وبعضها له ذلك فإذا تركبت حدث عضو قابل معط وعضو قابل غير معط وعضو معط غير قابل وعضو لا قابل ولا معط, فالأول الدماغ والكبد بالإجماع يقبلان قوة الحياة والحرارة الغريزية والروح من القلب وكل واحد منها مبدأ قوة يعطيها غيره, فالدماغ مبدأ الحس والكبد مبدأ التغذية, والثاني اللحم قابل قوة الحس والحياة وليس هو مبدأ القوة يعطيها غيره بوجه, والثالث القلب عند كثير من الفلاسفة يعطي سائر الأعضاء القوى التي تغذو والتي تحسن والتي تحرك وتدرك.
وقالت الأطباء لا وجود لهذا القسم, قال ابن سينا: والقول الأول عند التحقيق والتدقيق أصح, والثاني في بادي الرأي أظهر, والرابع اختلف فيه الأطباء فقال قوم: لا وجود له أيضا, وقال قوم وهو العظام واللحم غير الحاس تقي قوة فيها غريزية تحضها لم يأبها من بناء آخر لكنها تدري لقوى إذا وصل إليها غذاؤها كتفت أنفسها فلا هي تفيد شيئا آخر قوة فيها ولا يفيدها عضو قوة أخرى, ثم من الأعضاء ما هو قريب المزاج من الدم فلا يحتاج الدم في تغذيته إلى أن ينصرف في استحلالات كثيرة مثل فلذلك لم يجعل فيه تجاويف وبطون يقيم فيها الغذاء الواصل مدة ثم يتغذى عنه اللحم ولكن الغذاء كما يلاقيه يستحيل إليه ومنها ما هو بعيد المزاج عنه فيحتاج الدم في أن يستحيل إليه إلى أن يستحيل أولا استحالات مندرجة إلى مشاكلة جوهرة كالعظم فلذلك جعل له تجويف يهوي غذاء مدة يستحيل في مثلها إلى مجانسته وبهذا عرفت النكتة في الاقتصاد في الحديث إلى ذكر اللحم لكونه أقرب إلى الاستحالة.
مخ ۲۸