فقد استبان الآن بما ذكرنا واتضح أن الواحد والكثرة قد يوجد فى طبيعة الجرم وأن فى الطبيعة الواحدة الطبائع الكثيرة متعلقة وأن الطبائع الكثيرة هى من طبيعة الكل الواحدة. واستبان أيضا أن الواحد والكثرة قد يوجد فى جوهر النفس، أقول إن مبدأ الأنفس من النفس الأولى الواحدة وإن الأنفس الكثيرة ترتقى إلى النفس الواحدة. واستبان أيضا أن الواحد والكثرة قد يوجد فى الجوهر العقلى، أقول إن جوهر العقل واحد وإن العقول الكثيرة انبثت من عقل واحد وإليه ترجع أيضا. واستبان أيضا أن الواحد الذى قبل الأشياء كلها الجرمية والنفسانية والعقلية هو قبل الأشياء الوحيدة وأن الأشياء الوحيدة ترجع إلى الواحد الأول الذى ليس فوقه شىء آخر. فقد استبان الآن وصح أن الوحيدة بعد الواحد الحق وأن العقلية بعد العقل الأول وأن الأنفس بعد النفس الأولى وأن الطبائع الكثيرة بعد طبيعة الكل.
فإن كان هذا على ما ذكرنا، فقد صح أن هاهنا أشياء ليست هيولانية لكنها صور فقط، وأن هاهنا شيئا آخر لا هيولى له ولا صورة البتة ولكنه هوية فقط، وهو الواحد الحق الذى ليس فوقه شىء آخر، وهو علة العلل. وقد استبان أيضا بما ذكرنا أن الأشياء تنقسم فى ثلاثة أقسام، وذلك إما أن يكون الشىء هيولى مع صورة فتكون أنيته صورية هيولانية، وإما أن يكون الشىء صورة فقط فتكون أنيته صورية لا هيولانية، وإما أن يكون الشىء أنية فقط فتكون أنيته غير هيولانية وغير صورية: وهو العلة الأولى التى ليس فوقها علة أخرى كما قلنا آنفا وأوضحنا.
مخ ۲۱