323
وانطلقت إلى رسول الله ﷺ فتلقاني الناس فوجًا فوجًا، يهنوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله ﷺ جالس، حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله ﵁ يهرول حتى صافحني وهنّاني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، فلما سلمت على رسول الله ﷺ قال رسول الله ﷺ وهو يبرق وجهه من السرور - وكان رسول الله ﷺ إذا سر استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه:"أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك "، فقلت: أمن عندك يا رسول الله؟، أم من عند الله؟، قال: "لا، بل من عند الله"، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي، صدقةً إلى الله وإلى رسوله (^١)، فقال رسول الله ﷺ: " أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك "، فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقال رسول الله ﷺ: " يجزئ عنك الثلث "، وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدِّث إلا صدقًا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله ﷺ أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ إلى يومي هذا كذبًا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله على رسوله ﷺ: ﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة، من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، ثم تاب عليهم، إنه بهم رءوف رحيم، وعلى الثلاثة الذين خلفوا، حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن الله هو التواب الرحيم، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ، ولا نصب، ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطئون موطئًا يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلا، إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة، ولا يقطعون واديًا، إلا كتب لهم، ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون﴾،

(^١) وفي رواية: قال كعب: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كله صدقة.

1 / 357