وخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ -وَمَعَهُ حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بنُ وَرْقَاءَ- يَلْتَمِسُونَ الأَخْبَارَ فرأى جيش النبي ﷺ قبل دخوله مكة، فهاله ما رأى. ثم أسلم في أثناء ذلك. ثم جاء إلى قومه وصرخ فيهم محذرًا لهم بأن لا قبل لهم بجيش محمد ﷺ، وقال لهم ما قاله ﵊: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن". فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد. ونزل جَيْشِ المُسْلِمِينَ بِذِي طُوَى، وأَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ تَنْظِيمَ وَتَرْتِيبَ جَيْشِهِ، وَعَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأُمَرَائِهِ: "لَا تُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَكُمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَأَنْ لَا يُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يَتْبَعُوا مُدْبِرًا"، وَاسْتَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَشَرَةً مِنَ المُشْرِكِينَ مِنَ الأَمَانِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ. وَوَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا، وَأَتْبَاعًا مِنْ بَنِي بَكْرٍ وَبَنِي الحَارِثِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ وَهُذَيْلٍ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَكُوُنوا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، وَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الذِي سُئِلْنَا، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّه ﷺ دعى الأنصار وقال: "تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُريْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ، احْصُدُوهُمْ حَصْدًا، حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا". وقد أهدر النبي ﷺ دم بعض المشركين يوم الفتح. ودَخَلَ خالدٌ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ صَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ، وَسُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو بِالخَنْدَمَةِ، فِي جَمْعٍ مِنْ أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهَا، فَمَنَعُوهُ مِنَ الدُّخُولِ، وَشَهَرُوا السِّلَاحَ، وَرَمَوْهُ بِالنَّبْلِ، فَقَاتَلَهُمْ خَالِدٌ ﵁، فَقتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَانْهَزَمُوا، وَاسْتَمَرَّ خَالِدٌ ﵁ يَدْفَعُهُمْ حَتَّى انْتَهَى بِهِمُ القَتْلُ إِلَى بَابِ المَسْجِدِ، فَلَمَّا رَاَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ، صَاحَ بِهِمْ: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ وَكَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَجَعَلُوا يَقْتَحِمُونَ الدُّورَ، وَيُغْلِقُونَ أَبْوَابَهَا عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى خَالِدٍ ﵁ يَأْمُرُهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ عَنِ القَتْلِ، فَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَامَهُ رَسُولُ اللَّه-ﷺ، وَقَالَ لَه: "لِمَ قَاتَلْتَ، وَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنِ القِتَالِ؟ ". فَقَالَ: هُمْ بَدَؤُونَا بِالقِتَالِ، وَوَضَعُوا فِينَا السِّلَاحَ، وَأَشْعَرُونَا بِالنَّبْلِ، وَقَدْ كَفَفْتُ يَدِيَ مَا اسْتَطَعْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: "قَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كُفُّوا عَنِ السِّلَاحِ إِلَّا خُزَاعَةَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ"، فَأُذِّنَ لَهُمْ إِلَى صَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ،
1 / 335