فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، أوليس برسول الله ﷺ؟، أولسنا بالمسلمين؟، أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟، فقال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه (^١) حيث كان، فإني أشهد أنه رسول الله، فقال عمر: وأنا أشهد، ثم أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟، قال: " بلى "، قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟، فقال: " أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره وهو ناصري "، فقال له عمر: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟، قال: "بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ "، قال: لا، قال: " فإنك آتيه، ومتطوف به"، ثم دعا رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب ﵁ فقال له رسول الله ﷺ: اكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل بن عمرو: أما "بسم الله الرحمن الرحيم"، فما ندري ما " بسم الله الرحمن الرحيم"، أما "الرحمن"، فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب ما نعرف: باسمك اللهم، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا " بسم الله الرحمن الرحيم "، فقال رسول الله ﷺ: " اكتب باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ". فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله، لاتبعناك وما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: اسمك واسم أبيك، محمد بن عبد الله، فقال رسول الله ﷺ: " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة، (^٢) وأنه لا إسلال ولا إغلال (^٣)، وعلى أنه من أتى رسول الله ﷺ من أصحابه بغير إذن وليه، رده عليهم، ومن أتى قريشًا ممن مع رسول الله ﷺ لم يردوه عليه. فقالوا: يا رسول الله، أنكتب هذا؟، قال: " نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم، سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا ".
(^١) المراد بـ "إلزم غرزه": التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذي يمسك بركاب الفارس فلا يفارقه. والغرز هو: ركاب كور الجمل، وقيل: هو الكور مطلقًا مثل الركاب للسرج.
(^٢) أي: أمرًا مطويًا في صدور سليمة، وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها، والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم.
(^٣) أي: لا سرقة، ولا خيانة، فالإسلال من السلة، وهي: السرقة،
والإغلال: الخيانة، تقول: أغل الرجل، أي: خان، أما في الغنيمة، فيقال: غل، بغير ألف.
والمراد: أن يأمن بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم، سرا وجهرا.
1 / 298