264
فقال رسول الله ﷺ: حل حل. (^١) فقال الناس: خلأت القصواء، خلأت القصواء. (^٢) فقال رسول الله ﷺ: " ما خلأت القصواء، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، ثم قال: والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة (^٣) يعظمون بها حرمات الله (^٤) إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد (^٥) قليل الماء يتبرضه الناس تبرضًا، فلم يلبثه الناس أن نزحوه.
قال البراء بن عازب ﵁: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة - والحديبية بئر - فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة فشكي إلى رسول الله ﷺ العطش، فانتزع رسول الله ﷺ سهما من كنانته (^٦) ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل في قليب (^٧) من تلك القلب فغرزه فيه، فجلس رسول الله ﷺ على شفير (^٨) البئر، ثم قال: "ائتوني بدلو من مائها"، فأتي به، فتمضمض رسول الله ﷺ منه، ثم مجه في البئر ودعا. ثم قال: "دعوها ساعة ". فتركناها غير بعيد، ثم استقينا فجاش الماء بالرواء، حتى ضرب الناس عنه بعطن (^٩)، حتى روينا وروت ركائبنا حتى ارتحلنا.
قال عبد الله بن مغفل المزني ﵁: هبط ثمانون رجلًا من أهل مكة على رسول الله ﷺ وأصحابه يوم الحديبية من جبل التنعيم متسلحين عند صلاة الفجر يريدون غرة النبي ﷺ وأصحابه ليقتلوهم، فدعا عليهم رسول الله ﷺ فأخذ الله ﷿ بأبصارهم، فقدمنا إليهم فأخذناهم، فقال رسول الله ﷺ: "هل جئتم في عهد أحد، أو هل جعل لكم أحد أمانًا؟ "، قالوا: لا، فخلى رسول الله ﷺ سبيلهم، فأنزل الله ﷿: ﴿وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم، وكان الله بما تعملون بصيرًا﴾.

(^١) حل: صوت تزجر به الدابة لتحمل على السير.
(^٢) خلأت: بركت من غير علة. وخَلَأَ: إذا بَرَكَ فلم يَقم. والقصواء: الناقة المقطوعة الأذن، وكان ذلك لقبًا لناقة النبي ﷺ وقيل أنها لم تكن مقطوعة الأذن، وقال بعضهم بل مقطوعة.
(^٣) أي: خصلة.
(^٤) أي: من ترك القتال في الحرم.
(^٥) أي: حفيرة فيها ماء قليل، يقال: ماء مثمود: أي قليل، فيكون لفظ قليل بعد ذلك تأكيدا، لدفع توهم أن يراد لغة من يقول: إن الثمد الماء الكثير.
وقيل: الثمد: ما يظهر من الماء في الشتاء، ويذهب في الصيف.
(^٦) الكنانة: جعبة صغيرة من جلد، تحمل فيها السهام.
(^٧) القليب: البئر التي لم تطو.
(^٨) الشفير: الجانب والناحية.
(^٩) العَطَنُ: مَبْرَكُ الإِبِلِ، يَقُولُ: حَتَّى رَوِيَتِ الإِبِلُ فَأَنَاخَتْ.

1 / 293