قصة صلح الحديبية
ولما أراد النبي ﷺ أن يعتمر سنة ست من الهجرة في ذي القعدة قبل أن يحج؛ أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة. ورُوِيَ أَن رَسُول الله ﷺ َ رَأَى فِي مَنَامه قبل خُرُوجه إِلَى الْحُدَيْبِيَة كَأَنَّهُ وَأَصْحَابه قد دخلُوا مَكَّة آمِنين وَقد حَلقُوا وَقصرُوا فَقص الرُّؤْيَا عَلَى أَصْحَابه فَفَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا وَحَسبُوا أَنهم دَاخِلُوهَا فِي عَامهمْ. واستنفر من حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه، وهو يخشى من قريش الذي صنعوا، أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت، فأبطأ عليه كثير من الأعراب وظنوا بنبي الله ﷺ وأصحابه أنهم لن يرجعوا وأنهم سيهلكون. وخرج رسول الله ﷺ عام الحديبية (^١) في بضع عشرة مائة من أصحابه يريد زيارة البيت، لا يريد قتالًا (^٢)، وساق معه الهدي (^٣) سبعين بدنة، فلما أتى ذا الحليفة؛ قلد الهدي وأشعره (^٤) وأحرم منها بعمرة، وأهدى رسول الله ﷺ عام الحديبية في بُدْنِهِ جملًا كان لأبي جهل في رأسه برة (^٥) فضة يغيظ بذلك المشركين. وبعث عينا له من خزاعة بين يديه يخبره عن قريش، وسار رسول الله ﷺ حتى إذا كان بغدير الأشطاط - قريب من عسفان -؛ أتاه عينه الخزاعي، فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجت معها الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ (^٦)، قد لبسوا جلود النمور، وجمعوا لك الأحابيش (^٧)، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم، قدموا إلى كُرَاعِ الْغَمِيمِ (^٨) وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت، ومانعوك.
(^١) الحديبية: اسم بئر تقع على بعد اثنين وعشرين كيلًا إلى الشمال الغربي من مكة، وتعرف الآن بالشميسي، وفيها حدائق الحديبية، ومسجد الرضوان، وأطرافها تدخل في حدود الحرم المكي، ومعظمها من الحل خارجه.
(^٢) وكانوا على استعداد لقتال من اعترض سبيلهم، كما سيأتي في استشارة النبي ﵊ للصحابة -وهم في الطريق-في الإغارة على ديار من تحالف من القبائل مع قريش الذين خرجوا لقتالهم وصدهم عن دخول مكة، وكما في لبس المغيرة المغفر.
(^٣) الهدي: ما يهدى إلى الحرم من النعم والذبائح.
(^٤) الإشعار: شق أحد جنبي البدنة، حتى يسيل دمها، وجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هدي.
(^٥) البرة: حلقة تجعل في أنف البعير.
(^٦) جمع عائذ، وهي الناقة التي معها ولدها. يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان ليزودوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يناجزوك في زعمهم.
(^٧) الأحابِيشُ: هم أحياء من قبيلةِ القَارَّةِ، انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشًا، والتحبُّش: التجّمع، وقِيل: حالفُوا قُريشًا تحتِ جَبَل يُسمى حُبْشيًا فسُمُّوا بذلك.
(^٨) كُرَاعَ الْغَمِيمِ: اسْمُ وَادٍ أَمَامَ عُسْفَانَ.
1 / 291