The Precious Collection on the Ruling of Supplicating to Other than the Lord of the Worlds
المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين
ژانرونه
ولو قلنا: إن الألفاظ لا عبرة بها، وإنما العبرة للاعتقاد لأمكن لكل من تكلّم بكلام يحكم على قائله بالردة اتفاقًا أن يقول: لِمَ تحكمون بردتى؟! فيذكر احتمالًا ولو بعيدًا، يخرج به عما كفر فيه، ولما احتاج إلى توبة ولا توجّه عليه لوم أبدًا. وهذا ظاهر البطلان، ولساغ لكل أحد أن يتكلم بكل ما أراد، فتنسد الأبواب المتعلقة بأحكام الألفاظ" (^١).
وقال أيضًا: "ومن نظر بعين الانصاف، وتجنب سبيل الاعتساف، ونظر إلى ما كان عليه الأولون، وعرف كيف كان شركهم، وبماذا أرسل إليهم النبي ﷺ، وكيف التوحيد، وما معنى الإله والتأله، وتبصّر في العبادات وأنواعها، تحقّق أن هذا الالتجاء والتوكل والرجاء بمثل طلب الشفاعة هو الذى نهى عنه الأولون، وأُرسل لأجل قمعه المرسلون، وبذلك نطق الكتاب، وبينه لنا خير من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، سيما إذا استغيث بهم لدفع الشدائد والملمات، ولرفع الكرب المهمات، مما لا يقدر على دفعه إلا خالق الأرض والسماوات. وقد كان الأولون إذا وقعوا في شدة دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إذا هم يشركون. ومن فعل هذا بحالتي الشدة والرخاء، بل في قسمي المنع والعطاء فقد غلا وتجاوز حدّه" (^٢).
وقال أيضًا: "المراتب في هذا الباب ثلاثة: أحدهما: أن الدعاء لغيره تعالى سواء كان المدعو حيًا أو ميتًا، وسواء كان من الأنبياء أو غيرهم، بأن يقال: يا سيدي فلان أغثني، أو أنا مستجير بك، أو نحو ذلك. فهذا شرك بالله تعالى، وهو مثل عبادة الأصنام في القرون الماضية" (^٣).
وقال أيضًا: "ثم إذا جاز أن يقول الضال: إنه يطلب من مخلوق كل ما يطلب من الخالق من كشف الشدائد، فكذلك يطلب منه ما يطلب من الخالق من إعطاء الفوائد فحينئذ يجوز أن يطلب من المخلوق كل ما يطلب من الخالق مطلقًا.
وهذا الكفر شر من كفر عباد الأصنام، فإن أولئك لم يكونوا يطلبون من الأوثان كل ما يطلبون من الرحمن، بل لهم مطالب لا يطلبونها إلا من الله، كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ﴾، فبيّن أنه إذا جاء عذاب الله أو أتت الساعة لا يدعون إلا الله، فلا يطلبون كشف الشدائد، وإنزال الفوائد إلا منه. فمن جوَّز طلب ذلك من المخلوق كان أضل من هؤلاء المشركين، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَاّ إِيَّاهُ﴾، وقال ﵊ لابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ...» الحديث.
وقول القائل: لكونهم أسبابًا ووسائل فكلام مجمل، فإن أراد أنهم وسائط، والداعي يزعم أنهم شفعاء، فالآيات متضافرة على منعه.
وإن أراد أن الداعي لا يطلب منهم، ولكن يطلب من الله تعالى بحرمتهم وجاههم فهذا لا يسمى استغاثة بالمسؤول به.
وما زلت أبحث عن هذه المسالة وأكشف ما أمكنني من كلام السلف والأئمة والعلماء - هل يجوز أحد منهم التوسل بالصالحين في الدعاء، أو فَعَلَ أحدٌ منهم ذلك، فما وجدته" (^٤).
(^١) المصدر السابق (ص: ٥١٣ - ٥١٥). (^٢) المصدر السابق (ص: ٥١٠ - ٥١١). (^٣) المصدر السابق (ص: ٥٢٠) (^٤) المصدر السابق (ص: ٥٣٧).
1 / 71