The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
ژانرونه
السياسة الدعوية للرسول ﷺ بين وفود الحجيج للعام الحادي عشر من البعثة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الدرس الثاني عشر من دروس السيرة النبوية المطهرة، فترة مكة.
تكلمنا في الدرس السابق عن العام العاشر من البعثة، وهو العام الذي عرف في السيرة بعام الحزن، وحدثت فيه الكثير من الشدائد والمصائب والآلام والأحزان، مات فيه أبو طالب مشركًا، وماتت فيه السيدة العظيمة الفاضلة خديجة ﵂، واشتد إيذاء المشركين لرسول الله ﷺ، وأغلقت أمامه أبواب الدعوة تمامًا في مكة، ورفضت دعوته في الطائف، ورجم بالحجارة حتى سالت الدماء من قدميه ﷺ، وشج رأس زيد بن حارثة، ولم يستطع الرسول ﷺ دخول مكة إلا في جوار المطعم بن عدي المشرك، وفوق ذلك لم تؤمن أي قبيلة في موسم الحج من السنة العاشرة.
كيف تصرف الرسول ﷺ في هذا الوضع؟ في السنة الحادية عشرة من البعثة ظل النبي ﷺ يدعو الناس في مكة طوال العام، لكن أبواب الدعوة في هذا الوقت كانت مقفلة تقريبًا، فكان لا بد له أن ينتظر موسم الحج القادم ليعرض الأمر على وفود القبائل التي ستأتي للحج، ومع ذلك فالرسول ﷺ في أثناء هذه السنة، وقبل موسم الحج لم يكن يسمع أن هناك أحدًا غريبًا أتى إلى مكة إلا ودعاه إلى الإسلام، ومن كل الذين أتوا إلى مكة في السنة الحادية عشرة من البعثة، آمن أربعة بدعوة الرسول ﷺ، وهذا مقارنة بالعام السابق يعتبر إنجازًا جيدًا؛ ففي السنة الماضية لم يؤمن غير عداس في الطائف، ومجموعة الجن.
أما الأربعة الذين أسلموا في السنة الحادية عشرة فمنهم من لم نسمع عن أسمائهم كثيرًا، لأنهم ماتوا بعد إسلامهم، رجل اسمه سويد بن الصامت وكان شاعرًا من شعراء يثرب، والثاني اسمه إياد بن معاذ وكان طفلًا صغيرًا عمره (١٢) أو (١٣) سنة، وكلاهما مات بعد شهور من إسلامه.
أما الاثنان الباقيان فقد كان إسلامهما مؤثرًا؛ لأن كل واحد منهما أتى بعد ذلك بقبيلة كاملة للإسلام.
الأول: أبو ذر الغفاري ﵁ وأرضاه من قبيلة غفار على مقربة من يثرب، وهي قبيلة مشهورة بقطع الطريق والسطو على الناس، ومع ذلك أسلم أبو ذر ﵁ وأرضاه ورجع إلى قبيلته يدعوهم إلى الله، وكانت دعوته ناجحة، فقد أتى بقبيلة غفار كاملة للإسلام، ولما هاجر الرسول ﷺ إلى المدينة ذهبوا إليه في المدينة يبايعونه على الإسلام، وحينها قال رسول الله ﷺ: (غفار غفر الله لها)، أي: كل ما فات مسح.
الثاني: الطفيل بن عمرو الدوسي ﵁، وقصة إسلامه جميلة، وليس هناك وقت للدخول في تفصيلاتها، لكن المهم أنه بعد إسلامه رجع يدعو قومه، وقبيلته هي دوس من قبائل اليمن، وبعد مشوار طويل وقصة لطيفة آمنت دوس، وجاء الطفيل ﵁ بسبعين أو ثمانين عائلة من دوس إلى المدينة المنورة بعد هجرة الرسول ﷺ إلى المدينة، والعائلة في ذلك الوقت عدد أفرادها كبير.
فإسلام أبي ذر والطفيل ﵄ أتى للمسلمين بقبيلتين كبيرتين، مع أن تلك القبيلتين لم تأت إلا بعد الهجرة، لكن هذا تدبير رباني من الله ﷾، يدبر بلطف وخفاء ﷾، ومن المؤكد أن إسلام هاتين القبيلتين كان نصرًا كبيرًا للدعوة في ذلك الزمن الذي يعرف بزمن الاستضعاف في فترة مكة.
مرت الشهور وجاء موسم الحج من السنة الحادية عشرة من البعثة، وبدأ الرسول ﷺ كعادته في كل موسم يدعو الناس إلى الإسلام، لكن في هذا الموسم بدأ الرسول ﷺ يغير من طريقته لدعوة القبائل.
ذكرنا قبل ذلك أن الرسول ﷺ كان في إجارة المطعم بن عدي من بني نوفل، وهو مشرك، والرسول ﷺ يعلم أن المطعم له طاقة محدودة، وأصحابه وأقرانه هم زعماء الكفر في مكة، ولن يتركوه كثيرًا يدافع عن الرسول ﷺ، فكان لا بد للنبي ﷺ أن يبحث عن بديل للمطعم بن عدي.
12 / 2