ولو افترضنا أنه جلس إليهما عدة مرات كما في الروايات الضعيفة، فمن أين لغلامين يصقلان السيوف أن يعلما رسول الله نظامًا شاملًا للحياة ينبثق عن عقيدة مغايرة للنصرانية؟! ثم لماذا انفرد الرسول ﷺ بمعرفة ما عندهما من العلم، وأين مالكهما ابن الحضرمي من ذلك، وقد آمن برسالة محمد ﷺ وعنه نقل الخبر الصحيح بشأن غلاميه النصرانيين. وغنيّ عن القول أن لا علاقة للغلامين الأعجمين ببلاغة القرآن المعجزة، وهي حجة الله على العرب الفصحاء وعلى من عرف أسرار لغتهم وتذوق حلاوتها إلى يوم الدين. فكيف يكون مصدرها أعجميين؟!
وكذلك جادل المشركون في نزول القرآن منجمًا قائلين: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ وقد بين الله تعالى علة ذلك بقوله: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ (١).
وقد خاصم المشركون رسول الله ﷺ في القَدَر -وهو إثبات ما قدره الله وقضاه وسبق به علمه وكتبه على عباده فكل ما يقع لهم إنما هو مقدر في الأزل معلوم لله مراد له- فنزلت الآية ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٢)﴾ (٣).
ولقد منعت الأنفة والكبر المشركين من الاستماع إلى الرسول بحضور المستضعفين من المؤمنين مثل عبد الله بن مسعود وبلال الحبشي فطلبوا من الرسول أن يطردهم، فنزلت ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ (٤).