بل قد عاتب الله تعالى رسوله عندما أعرض عن ابن أمِّ مكتوم وهو يسأله عن شيء ورسول الله منصرف إلى الكلام مع أبي بن خلف فنزلت ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾ (١).
إنه لا مجال للامتيازات في دعوة الحق بسبب الحسب والنسب أو المال والجاه، فهي إنما جاءت لتأصيل النظرة إلى الإنسان وبيان وحدة الأصل وما تقتضيه من المساواة والتكافؤ، من هنا يمكن تعليل شدة أسلوب العتاب الذي وجهه الله تعالى لرسوله ﷺ للاهتمام الكبير الذي أظهره لأُبيّ بن خلف على حساب استقباله لابن أم مكتوم الضعيف، فابن أم مكتوم يرجح في ميزان الحق على المئات من أمثال أبيّ بن خلف.
وقد جادل المشركون في عقيدة البعث فأكثروا فيها الجدل، فإن عقليتهم لم تتسع إلى تصور الحياة بعد الموت -كما حكى القرآن على لسانهم، ولكن هذا لا ينطبق على البعض منهم مثل أمية بن أبي الصلت حيث يدل شعره على إيمانه بالبعث والآخرة - ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ - (٢). حتى جاء العاص بن وائل بعظم بالٍ إلى رسول الله ﷺ، فتساءل ساخرًا إن كان الله يبعث ذلك العظم البالي!! فقال له رسول الله: "نعم، يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم". فنزلت الآيات ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ