185

د د نوي شعر انقلاب له بودلیر نه تر اوسني عصر پورې (لومړۍ برخه): زده کړه

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

ژانرونه

Oniro critique (عن عنوان الكتاب القديم الذي ألفه أرتيمدور في تفسير الأحلام باليونانية

ÔvSipo-kpitika ) ولا بأس من ذكر بعض سطور من هذا النص (اخترناها كما اتفق، لأن ذلك لن يغير من الأمر شيئا!) وسنجد أن أبوللينير يجمع صورا لا واقعية ونتفا من الأحداث التي صفها إلى جانب بعضها بغير رابطة تجمع بينها بحيث يمكن أن يعيد القارئ ترتيبها على نحو آخر. وإذا كانت هناك ثمة رابطة بين الصور والأحداث فيمكن أن نسميها «التحول اللامعقول» الذي يشبه ما يحدث في الأحلام؛ فالرأس تتحول إلى لؤلؤة والأنغام تتحول إلى ثعابين. لن تجد إنسانا بمفرده في هذا العالم بل ستقابل حشدا من الناس. وليست الصور المفككة غير الواقعية هي وحدها التي تشبه الأحلام بل كذلك طريقة التعبير. إنه عالم يزدحم بالجنون والقبح والجريمة: «كانت قطع الفحم في السماء شديدة القرب منى بحيث شعرت بالخوف من رائحتها. حيوانان غير متكافئين مارسا الجماع، وفروع الكروم أصبحت عناقيد ثقيلة بصرر الأقمار. من حلقوم القرد ارتفعت ألسنة اللهب وزخرفت العالم بالزنابق. الطغاة فرحوا. أقبل عشرون خياطا أعمى. قرب المساء طارت الأشجار هاربة وتكاثرت حتى صرت مائة شخص. القطيع الذي كنته جلس على شاطئ البحر. السيف أطفأ ظمئي. مائة ملامح قتلوني تسعا وتسعين مرة. شعب كامل ضغطوه في المعاصر، فراح ينزف دما وهو يغني. ظلال غير متساوية نشرت السواد بمحبة على حمى الأشرعة القرمزية، بينما تكاثرت عيوني في الأنهار والمدن وفوق ثلوج الجبال ...» ولن يخطئ القارئ صوت رامبو في هذا النص، ولن ينسى أوجه التشابه العديدة بينه وبين الإشراقات.

ومع أن السيرياليين قد توالى إنتاجهم منذ العشرينيات من هذا القرن فإن رائدهم وملهمهم أبوللينير يعد أبدعهم خيالا. والحق أن برامج السيرياليين تستحق الاهتمام أكثر بكثير من إنتاجهم. فلقد دأبوا على تأكيد لون من ألوان الإبداع ظهر في الشعر منذ عهد رامبو، وحشدوا في سبيل ذلك لغة أشبه ما تكون بلغة العلم. إنهم مقتنعون بأن في مقدور الإنسان الذي يتخبط في ظلام اللاشعور أن يمد تجربته الفنية بلا حدود، وهم مقتنعون بأن مرضى العقول يستطيعون أن يبنوا لأنفسهم عالما فوق الواقع لا يقل «عبقرية» عن عالم الأدب، وأن اللاشعور هو الذي يملي الشعر والأدب دون أن يتقيد بقيد ولا شكل. تلك هي بعض مواد هذا البرنامج الغريب الطموح. وقد نبالغ إذا قلنا إنهم يخلطون فيه بين التقيؤ والتفنن أو بين الإفزاع والإبداع! ولا يستطيع منصف أن يذكر للسيرياليين شعرا عظيما، وإن ذكر لهم برامجهم ونظرياتهم الجديدة الجريئة. وحتى الشعراء الكبار الذين يحسبون عادة من السيرياليين - مثل أراجون وإلوار - لا يدينون بشعرهم لبرامج السيرياليين، بل لذلك الأسلوب العام الذي شاع في الأدب منذ عهد رامبو وجعل الشعر لغة الأحلام والصور المجردة عن المنطق والمعقول. إن كل ما يذكره الناقد للحركة السيريالية هو أنها كانت نتيجة لا سببا، وأنها شكل واحد من أشكال عديدة تعبر عن شوق الإنسان الحديث إلى الأسرار والألغاز. وقد يشفع لشطحاتهم أن نذكر على كل حال أن الشعر الحديث في أوروبا ما زال يغوص في غياهب الأحلام، وكأن الشعراء يصرون على أن ينطبق عليهم هذا الوصف الذي يشهر بهم ويمجدهم في آن واحد فيصورهم كالسائرين نياما.

ويمكن أن نوضح ما تقدم بقصيدة مشهورة من شعر لوركا وهي قصيدة «خيالية ناعسة أو جوالة في النوم»

39

التي كتبها قبل سنة 1927م.

وإذا أردنا أن نعرف القصيدة من مضمونها لم نجد إلا فتاة تقف في ضوء القمر مستندة إلى سور شرفة. ويتحدث رجلان في مكان لا ندريه، ثم لا تلبث أن نجدهما أيضا في الشرفة، وبعدها بقليل نجد الفتاة مقتولة في صهريج . ولكن هذا التلخيص يدمر القصيدة تدميرا ويجعل منها جريمة قتل لا أكثر ولا أقل! ذلك لأن هناك شيئا آخر يختلف عن ذلك تمام الاختلاف. نسيج حالم من بقايا أحداث، وصور غير واقعية، وسحر ينبعث من نغم الكلمات وكأن النشيج كله من صنع إنسان يسير في نومه وتبدأ القصيدة باللون الأخضر، واللون هنا لا علاقة له بالأحداث ولا بالأشياء، وهو لا يأتي منها، بل يأتي إليها: «ريح خضراء، لحم أخضر، شعر أخضر» إنه أشبه بغلالة من النغم تشع منها قوة سحرية تشيع في القصيدة كلها. وتظهر مشاهد طبيعية مفككة تتحرك وسطها الأحداث والأشكال البشرية الباهتة، فهناك سفينة في البحر وحصان في الجبل يتعاقبان في بيتين يكرران وحدة نغمية قوية. وتسير القصيدة بطريقة غنائية لا ملحمية، فتغني أكثر مما تحكي، وتترك كل موضوع تقوله بغير تحديد مكاني أو زماني أو سببي. بل إنها لا تذكر كموضوع القصيدة - وهو الحب والموت - بكلمة واحدة، ومع ذلك فهو يبدو واضحا من خلال الخطوط الباهتة التي تلقيها الأشياء والأحداث. وتتوالى الاستعارات الرائعة أمام أعيننا: شجرة التين التي تمسح فروعها ريح الصباح، الجبل الذي ينفش صباره كالقط المتلصص، القمر الثلجي الذي يرعى الفتاة القتيلة فوق الماء. والكلمات والألوان تحل محل الأحداث أو توحي بها. فها هو ذا اللون الأسود يشوب الاخضرار قبل أن يذبل وينطفئ - واللون الأسود هو علامة الموت.

كل شيء في القصيدة يلمح ويشير ويفتح الباب لإمكانيات وإشعاعات عديدة. إننا نحس كأننا لا نقف على الأرض الصلبة، بل كأنه ليس هناك مكان سوى المكان الحالم الذي تخلقه الاستعارات والصور غير الواقعية. ونحس أيضا أننا لسنا في زمان، لأن الزمان توقف في القصيدة. إنها تبدأ في الليل، ثم يطلع الصباح «الذي تجرحه آلاف الطبول البللورية» إلى أن يحل الليل مرة أخرى في النهاية، ولكن لا الليل ولا الصباح من الزمن، إنهما منظوران شعريان للزمن الذي لا يتحرك. أما الخاتمة التي تكرر بيتين من بداية القصيدة فتبدو كأنها تغلق الدائرة. غير أن الواقع يختلف عن هذا؛ فنحن نحس كأن شيئا لم يحدث أو كأن الأمر كله أشبه بحركة مروحة فتحت بسرعة أشبه بسرعة الضوء في لحظة واحدة. ولم نذكر هذه القصيدة لتكون تطبيقا للنظريات النفسية أو الأدبية عن الأحلام بل لنقول إنها مثال لما يمكن أن يصل إليه الشعر العظيم الجسور.

ولا نستطيع أن نترك شعر الأحلام قبل أن نتكلم عن ميله إلى ما يمكن أن نسميه «بنشاز» اللامعقول «أو العبث والمحال». ولقد نوه بودلير بقدرة الحلم على ابتداع اللامعقول ورأى في هذا دليلا على انتصار الذاتية المطلقة من القيود، وكذلك طالب إلوار في سنة 1939م - متأثرا في ذلك رامبو - أن يكون الأدب «إزعاجا للمنطق إلى درجة اللامعقول». أما بريتون فذهب إلى أبعد من هذا وأعلن أن اللامعقول وحده هو الذي يقدر على الشعر. وتدخل في مجال اللامعقول كل الأشعار الغريبة التي يمكن أن نسميها أشعار «المسخرة» وذلك من نوع قصائد رافائيل ألبرتي، وكل الإنتاج الأدبي الذي يتصف بالسخرية والمرارة ويسميه الفرنسيون «المرح الأسود أو المزاج الأسود»،

humour noir

ناپیژندل شوی مخ