د د نوي شعر انقلاب له بودلیر نه تر اوسني عصر پورې (لومړۍ برخه): زده کړه
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
ژانرونه
وقد وصف بعض النقاد جيان بأنه أقرب الشعراء المعاصرين من المدرسة الإيلية،
36
محاولين بذلك أن يميزوا شعره من خلال علاقته بالوجود الأسمى وحقائقه الثابتة، ولكن الواقع أن هذا الوصف يقلل من شأنه، فهو لا يريد أن يكون تعبيرا عن الوجود نفسه - وإلا لما كان شعرا على الإطلاق! - بقدر ما يريد أن يكون حركة؛ حركة في اتجاه الوجود، من الظلام إلى النور، ومن الاضطراب إلى السكون.
إن القيمة الرئيسية في شعر جيان والمحور الأساسي الذي يدور حوله هو النور. فالنور هو المظهر النقي الخالص للوجود، وأكثر القصائد نصيبا من النور هي أدقها من ناحية الشكل والبناء. يقول أحد الأبيات: «دائما يكون النور.» ولكن الحدث الهام فيه هو حدوث النور نفسه وصيرورته، أو هو على حد تعبيره «نشوة الانتقال». والطاقة الشعرية فيه تنبثق عن حالة من التوتر الذي يسعى إلى التجاوز والعلو. إنه يرتفع بالشيء البسيط إلى حقيقته وكمال ماهيته، فيجعل الحديقة «أكثر من حديقة» والجسر «أكثر من جسر»، لكي يستخلص من ذلك مقولة الماهية أو الحقيقة (كما رأينا عند مالارميه) التي يغمرها في النهاية نور الوجود الكامل. وهذا الفعل أو هذا الحدث الشعري يمتد فيشمل كل الأحياء والمحسوسات، حيث «تنغم المادة بالنغمة التي تجعل منها ظاهرة». ولكنه من ناحية أخرى يحولها ويعمل على «تغريبها ». فالأشياء تستجيب «باكية» للمثالية الخالصة. واللغة لا تزينها ولا تزخرفها، بل تعري جوهرها المحض، الذي تدخله في نسيج من العلاقات غير الواقعية.
فإحدى القصائد مثلا تتكلم عن مدينة صيفية (تسميها مدينة الصدفة) يسقط عليها نور حريري يجلي خطوطها فتصبح «نشوى من الهندسة». وتتمكن منها «لذات الدقة والتحدد» فتصير «مدينة الماهية».
37
وتتحول المناظر الطبيعية إلى خطوط شفافة لا مادية في نسيج من التوتر، ويصبح الثلج والبرد كلمتين ترمزان إلى المطلق الذي يتلاشى منه الموت المحتوم على كل حياة، لا بل يتلاشى فيه كل أثر للحياة، (وإن كان يبدو من بعض القصائد أن الشاعر يمجد الحياة الشاملة فيما يشبه وحدة الوجود). وتتجرد المرئيات شيئا فشيئا من صفاتها الحسية. وينشأ نوع من الفراغ، تغلب عليه الصور والظواهر الساكنة (كالدوائر والخطوط والأحجام) أو رموز لمثل هذه الصور والظواهر (كالوردة والنهر والبحر) ويتحول شعر جيان كله إلى نموذج مصغر للوجود، متسق البناء غامر النور. ومن الطبيعي ألا يترك للإنسان شيئا من «إنسانيته» وأن يمضي فيما أسميناه بطرح النزعة البشرية إلى أبعد مدى ممكن. وحتى الحب لا ينجو من هذا التجريد؛ فشعر الحب، يصبح نوعا من المعرفة بالوجود، ويتجلى هذا الوجود في أسمى مظاهره للمحب الذي يراه بفكره من خلال جسد الحبيبة لا من خلال روحها. أما هي فلا تدري، كما هي العادة، شيئا عن هذا، ولا تعلم أنها هي النافذة التي يستشف منها النور.
وروعة الربيع لم تخلق للقلب، «ففوق الهدير المضطرب يسري نداء بعيد وخافت؛ نداء ناعم من لا أحد إلى لا أحد.»
والأطفال تلعب على شاطئ البحر، ولكن ليست هي التي تقوم باللعب، بل البحر والأصداف، وكذلك أيادي الأطفال التي صارت موجودات مستقلة بذاتها. وتنتهي القصيدة بنقلة أخيرة إلى موسيقى الأفكار: «سلاسل حمراء، أصداف، أصداف، تناغم، نهاية، دائرة». لأن سر الوجود الذي يعلو على الحياة ويتجلى في روعة الضياء ويختفي، إنما يلمع في الدائرة «ويتخفى بين كتل الهواء» (انظر قصيدة كمال الدائرة) مثله في ذلك مثل الشعر نفسه.
هذا الشعر في صميمه غناء . غناء معدني قاس، صيغ بلغة إسبانية هي بطبيعتها حادة وقاسية. وتجريداته غناء؛ وهو مضطر لهذا السبب أن يستخدم ثروة من الكلمات التي تدل على التجريد: كالمنحني، والخط، والدائرة، والمركز، واللانهاية، والجوهر، والعدم، والحاضر ... إلخ!
ناپیژندل شوی مخ