178

د اسلام انقلاب او انبياوو قهرمان: ابوالقاسم محمد بن عبدالله

ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله

ژانرونه

محافظا ولا محبا للتقاليد ولا محترما لها إلا في حدود خاصة، بل كان مجددا ومحدثا أحداثا نافعة تدل على حسن الذوق وسلامة الفطرة وعظم العقل وسعة الفكر وحب الخير العام للإنسانية بأسرها.

إنني هنا لا أتعرض لوصف أخلاقه ونفسيته؛ فهذه ترد في أبواب أخرى، ولكنني أقصر بحثي على شخصه، وأحاول تعليل بعض عاداته وتحليل الظاهر من صفاته الشخصية.

كان وجهه مستطيلا لا مستديرا، وهو من النوع السامي الذي تنطبع بطابعه وجوه الكثيرين من أهل جزيرة العرب، لا سيما أهل الحجاز الذي هو المقر الأول للمنحدرين من نسل إسماعيل. وكانت مشيته تدل على شيء كثير من قوة الخلق والثقة بالنفس وكمال الصحة وسلامة القلب، فقالوا إنه كان إذا زال، زال قالعا، يخطو تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت بجميع جسمه، ليس في أعضائه - معاذ الله - ليونة الخبثاء والمنافقين، وإنك إلى اليوم إذا عرفت رجلا مخلصا صادقا سليم الفطرة كبير النفس ترى فيه بعض صفات النبي

صلى الله عليه وسلم

البدنية. وكان - عليه السلام - خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة للاعتبار والخبرة والموعظة.

ومن الصفات المعنوية الخاصة بشخصه الجثماني أنه كان جريء القلب، واسع الصدر، صادق اللهجة، لين العريكة، من يراه بديهة يهابه، ومن يخالطه يحبه بإجماع معاصريه ومعاشريه ومؤرخيه.

ولكن هذا الحلم والكرم وذلك التسامح واللين وغيرها من الخلال الكريمة لم تمنعه من أن يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا كرمه، وكان لا يوطن الأماكن، أي لا يتخذ لنفسه مكانا معينا في المجلس لا يجلس في سواه، وينهى عن هذه العادة الوثنية التي تشعر بالجبروت والكبرياء والطغيان، وكان إذا انتهى إلى مجلس، قعد حيث ينتهي به المجلس، وكان مجلسه مجلس علم وحلم وعدل وحياء وصبر وأمانة وصدق، وكان على كثرة أعماله وجلال رسالته وكبر شأن واجبه دائم البشر سهل الخلق لين الجانب لا يعيب الناس ولا يمدحهم، ولكنه كان يحبذ الحسن ويقبح القبيح ولا يذم أحدا ولا يعير إنسانا ولا يطلب عورة لمخلوق. ويرى مما تقدم أنه كان ذا نزعة ديمقراطية، حتى في إبان عظمته القومية التي ظهرت من عهد النبوة؛ فكان يضحك مما يضحك منه جلساؤه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، وكان لا يقبل الثناء ولا يقطع على أحد حديثه، وكان يكره أن ترتفع الأصوات في مجلسه أو يتزاحم اثنان على الاستئثار بالكلام، وكذلك كان يبغض أن يزعج في خلوته بغير استئذان. والعجيب في أمره أنه كان يطبع أصحابه بطابع أخلاقه الكريمة، ويهذبهم بالمثال والقدوة الحسنة؛ فترى الرجال الذين فتحوا العالم في عشرين عاما بعد موته كانوا كلهم أقرب المقربين إليه، فكأنه أفرغهم في قالب، وألهبهم بنار مقدسة، وكان منهم عظماء الدنيا لعهدهم في العلم والقضاء والتشريع والحكم والحرب والتمدين والاقتصاد والسياسة. وفي الحق أنه لا توجد ثورة اجتماعية أو سياسية حملت في ثناياها جزءا من العظمة والقوة التي انطوت عليها الثورة الإسلامية؛ لأن الرجال الذين أتموا أعمال محمد

صلى الله عليه وسلم

في السياسة والحرب والتشريع كانوا كلهم على وتيرة واحدة، وكلهم محمديون عريقون صميمون يمثلون فكرته ويعملون على تنفيذها .

4

ناپیژندل شوی مخ