{ إنى أريد أن تبوء } تتهيأ أو ترجع إلى ربك أو منزلك { بإثمى } لو بسطت إليك يدى { وإثمك } بسخط أمر الله ومخالفة أبيك والحسد وإضمار القتل وبسط يدك إلى إن بسطتها إلى فالشخص يحمل إثم المباشرة وإثم كونه سببا لإثم شخص آخر فالبادئ بالسب حامل لإثم سبه وإثم تسبيه لسب صاحبه له، وكلا الإثمين فعل له لقوله تعالى
ولا تزر وازرة وزر أخرى
[الأنعام: 164] أو أراد بالإثم قتلى أو أراد بالإثم لازمه ومسببه وهو العقاب، أو إثمى إثم قتلى وإثمك الإثم الذى عليه قبل القتل وبه قال ابن مسعود وابن عباس، وقيل بإثمك الذى لم يتقبل به قربانك وقيل إثم قتلى وإثمك الذى هو كل قتل محرم بعدك لأنك سننته، ومن كلام أصحابنا أنه يجوز أن تدعو لصاحب الكبيرة أن يزيد عصيانا حتى أجاز بعض أن تدعو له بالإشراك لقوله تعالى
واشدد على قلوبهم
[يونس: 88] وقد بحثت فى شرح التبيين لذلك، ولا أقول بذلك لأن فيه ميلا إلى المصية ووقوعها وأنت خبير هل شرع من قبلنا شرع لنا، والآية تقبل أن يكون المراد بها التبرىء من الإثم لا حصوله لأخيه كقوله صلى الله عليه وسلم:
" أشهد غيرى "
، بمعنى أنه ليس ذلك جائزا لا حقيقة الأمر بإشهاد غيره صلى الله عليه وسلم، وقدر بعض إنى أريد أن لا تبوء أولا أريد أن تبوء، وإما أن تريد العقاب للفاسق فواجب يثاب عليه عندنا ولو لم يكن مشركا فكيف وقد يطلع هابيل على شرك قابيل { فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين } لأنفسهم أو لغيرهم، وظالم غيره ظالم لنفسه بل ظالم نفسه لغيره لشؤم المعصية بالقحط والطاعون والآفات:
{ فطوعت } سهلت { له نفسه قتل أخيه } هو صعب فى الحقيقة لتحريم الله وللعقاب وللرقة القلب لكن سهلته له نفسه، يقال طاع له الأمر أى انقاد وطاع المرعى اتسع { فقتله } نهارا، ومعنى أصبح صار لا ما قيل أنه قتله ليلا قيل لم يدر كيف يقتله فأعلمه إبليس أن يجعل رأسه على حجر ويضربه بآخر، وقيل رض رأس طائر بين حجرين فتعلم منه، ويقال عن ابن مسعود وغيره أن هابيل هرب عن أخيه فى رءوس الجبال فوجده يوما نائما مع غنمه فقتله بصخرة { فأصبح من الخاسرين } لدينه وآخرته ودنياه إذ لم ينتفع ببدنه إذ توحش وأقصى وعوقب وحزن حتى قتله ولده ولم يتزوج إقليما ولا لبودا، وقيل هرب بإقليما إلى عدن من أرض اليمن واسود وجهه ومسخ قلبه وكان مذموما أبدا، ويقال لما مات علق برجله إلى الشمس تصيبه إلى حظيرة نار صيفا وإلى حظيرة ثلج شتاء يعذب بذلك، وفى الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا
" لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سن القتل "
، وفى الطبرى والبيهقى عن ابن عمر موقوفا: إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة عليه شطر العذاب، والأشقياء الثلاثة إبليس وقابيل وقاتل ناقة صالح، وهرب إلى عدن وقال له إبليس: تقبل قربان أخيك لأنه يعبد النار فعبدها فكان عليه وزر من عبدها ومن عبد غير الله سبحانه مطلقا، ولما قتل هابيل قيل له اذهب طريدا شريدا فزعا مرعوبا لا تأمن من تراه وكان قبل موته لا يمر به أحد إلا رماه بالحجارة لقتله هابيل، وعمر هابيل حين قتل عشرون سنة فقتله فى عقبة حراء، وعن كعب الأحبار فى جبل دير المران وقيل فى جبل قاسيون وقيل فى موضع المسجد الأعظم من البصرة، وعن ابن عباس فى جبل نود وكانت حواء تلد لآدم فى كل بطن غلاما وجارية إلا شيت فإنها وضعته مفردا عوضا عن هابيل، ومعنى شيت هبة الله لأن جبريل عليه السلام قال لحواء لما ولدته: هذا هبة الله لك بدلا من هابيل وكان آدم يوم ولد شيت ابن مائة سنة وثلاثين سنة بعد قتل هابيل بخمسين سنة وجملة أولاده تسعة وثلاثون فى عشرين بطنا عشرون من الذكور وتسعة عشر من الإناث أولهم قابيل وإقليما من بطن واحد وآخرهم عبد المغيث وأمة المغيث من بطن، وبارك الله فى نسله ومات عن أربعين ألفا من ولده وولد ولده وحل لكل رجل منهم أخته إلا التى معه فى بطن لأنه لا نساء إلا أخواتهم فالنساء سبب للشرور فحواء عليها السلام سبب لخروج آدم عليه السلام من الجنة، وإقليما سبب قتل هابيل ولما قتله رجفت الأرض بمن عليها سبعة أيام وشربت الأرض دمه فقال الله له: أين أخوك هابيل؟ فقال ما أدرى ما كنت عليه رقيبا، فقال الله عز وجل إن دمه لينادينى من الأرض فلم قتلت أخاك. فقال: فأين دمه إن قتلته، فحرم الله على الأرض شرب الدم وكان آدم بمكة خرج إليها ليراها بعد أن طلب من الجبال والأرض والسماء أن يحفظن ولده هابيل فأبين واستحفظه قابيل: فقال نعم أحفظه وأهلك حتى ترجع فخانه فقتله فاشتاك الشجر أى ظهر له شوك وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه واغبرت الأرض فقال: حدث فى الأرض حادث فلما رجع الهند وجد قابيل قد قتل هابيل فسأله أين هابيل فقال ما كنت عليه وكيلا.
ناپیژندل شوی مخ