316

تيسير التفسير

تيسير التفسير

ژانرونه

{ وما علمتم من الجوارح } أى ومصيد ما علمتم من الجوارح، ترك الأنجاس والائتمار والانتهاء والصيد لصاحبها، ولا يتكرر هذا مع قوله: { فكلوا مما أمسكن عليكم } لأن فيه زيادة قيد الإمساك عليهم لا لهن، ثم إن التأكد أيضا جائز، ويجوز أن لا يقدر مضاف فما مبتدأ وجوابها فكلوا إلخ. أو نصب على الاشتغال أى اعتبروا ما علمتم فكلوا على أن الفاء صلة والخطاب للمؤمنين، وأنت خبير بأن ذبيحة الكتابى كذبيحة المسلم فلا يجوز الصيد بجارحة المجوسى وغيره من المشركين لأن تعليمها من غير المؤمن حتى يحدد لها تعليما. ويؤخذ جواز تأديب الحيوان لكل مباح من الصنائع وضربه لذلك من الآية، والجوارح الكواسب للصيد على أهلها من سباع البهائم كالفهد والهر والنمر والكلب، ومن سباع الطير كالبازى والصقر والشاهين والعقاب كقوله تعالى:

ويعلم ما جرحتم بالنهار

[الأنعام: 60]، وكجوارح الإنسان أى أعضاءه التى يكسب بها، أو من الجرح بمعنى تفريق الاتصال فإن تلك اسباع تجرح الصيد غالبا والمفرد جارحة بتاء المبالغة، وعن ابن عمر والسدى أن المراد هنا الكلاب فقط { مكلبين } معلمين لهن ترك الأنجاس والائتمار عند الأمر والنتهاء عند النهى. وألا يأكلن مما صدن، فهو حال مؤكدة، وإن أريد بعلمتم تعليم ما مر وبالتكليب تعليم الصيد أو بالعكس فليست مؤكدة ووضع التعليم أعم من وضع التكليب، أو مكلبين حاذقين ماهرين فى تعليمهن، وقد قيل هو من الكلب على الشئ أو به بمعنى اعتياده والولوع به، وينبغى علم أخذه من متبحر فيه، أو جاعلين لها كلاب صيد، والكلب المعروف المطلق يجعل كلب صيد والسباع أيضا كلاب تجعل كلاب صيد، قال صلى الله عليه وسلم:

" اللهم سلط على عتبة بن أبى لهب، وروى على لهب بن أبى لهب كلبا من كلابك "

فأكله الأسد فى طريق الشام، استندوا إلى صومعة راهب فأخبرهم أن الأرض مسبعة، فقال أبو لهب: حقت على ولدى دعوة محمد فأحاطوا عليه بأنفسهم وإبلهم وما معهم وما أيقظهم إلا صياحه من نهشة الأسد، فعلمنا أن السباع كلاب، والكلب أنسب للتأديب وأوفق، وأبعد الجوارح عن التأديب الطير فقد يكون المراد فى الآية الكلب المعروف، ويلحق غيره به، إلا أن قوله من الجوارح أنسب بعمومه وعموم غيره والتأديب والتعليم شىء واحد { تعلمونهن مما علمكم الله } من الحيل فى أخذ الصيد ومن طرق التأديب ومن اتباع الصيد بالإرسال والتسمية عند الإرسال والانزجار والانصراف وعدم الأكل مما يصيد، والمعلم ما وجد فيه ثلاثة: إذا دعى أجاب وإذا زجر انزجر وإذا أخذ الصيد لم يأكل منه فيحل ما صاد ولو فى المرة الأولى، وقيل لا حتى يكون ذلك منه ثلاثا فيحل ما فى المرة الرابعة ويدل للأول إطلاق قوله { فكلوا مما أمسكن عليكم } أى لكم ومستقرات على شأنكم فإنه تعم المرة الأولى ويعم ما إذا مات بلا جرح بل بفم الجارحة إياه، وقيل إن لم يجرحه لم يحل وإن أكل منه لم يحل لأنه أمسك على نفسه لا عليكم إلا إن وجد حيا فيذكى ولقوله صلى الله، عليه وسلم لعدى بن حاتم:

" إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله تعالى فإن أدركته لم يقتل فاذبح واذكر اسم الله عليه وإن أدركته وقد قتل ولم يأكل فكل فقد أمسك عليك وإن وجدته وقد أكل فلا تطعم منه شيئا فقد أمسك على نفسه "

وللشافعى فى قوله له أنه يحل ولو أكل منه، وقال جماعة به وهو قول مالك والليث وأبى حنيفة. وقيل لا يشترط ذلك فى سباع الطير لأن تأديبها إلى هذا الحد متعذر إذ لا يقبل الضرب كالكلب، قال ابن عباس: إذا أكل الكلب فلا تأكل وإذا أكل الصقر فكل لأن الكلب تستطيع أن تضربه والصقر لا تستطيع أن تضربه، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعى، وعن سعد بن أبى وقاص وأبى هريرة: إذا أكل الكلب ثلثيه فكل إن ذكرت اسم الله عليه وكأنه يشير إلى أن أكله منه لا يفسده ولو أكل منه كثيرا ولا أكثر من الثلثين فالثلثان تمثيل، ومن وجد مصيد كلبه أو نحو رمحه أو سهمه حيا ذبحه وإن شرع فى تهيئة ذبحه أو ما يذبح به فمات حل، { واذكروا اسم الله } وإن نسى الذكر فلا بأس عند ابن عباس { عليه } أى على ما علمتم من الجوارح أو على ما أرسلتموه إليه أو على ما أدركتم حياته مما أمسكن، أى اذبحوه على اسم الله، والأمر فى ذلك كله للوجوب، أو على الأكل المعلوم من كلوا كما تسمى عند مطلق الأكل، والأمر فى هذا للندب إجماعا، قال الطبرى بسنده عن أبى رافع والحاكم وصححه: جاء جبريل إلى النبى صلى الله عليه وسلم يستأذن عليه فأذن له فلم يدخل فقال النبى صلى الله عليه وسلم:

" قد أذنا لك يا رسول الله فقال أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب "

، قال أبو رافع فأمرنى أن أقتل كل كلب بالمدينة ففعلت حتى انتهيت إلىامرأة عندها كلب ينبح عليها فتركته رحمة لها، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرنى بقتله فرجعت إلى الكلب فقتلته فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التى أمرت بقتلها فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: يسألونك ماذا أحل لهم الآية. قال عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع فى قتل الكلاب فقتل حتى بلغ العوالى، وصح عنه صلى الله عليه وسلم عن طريق أبى هريرة

" أنه من اقتنى كلبا نقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية "

ناپیژندل شوی مخ