305

تيسير التفسير

تيسير التفسير

ژانرونه

{ وأخذهم الربوا وقد نهوا } فى التوراة { عنه } أن يتعاملوا فيه فيما بينهم، وأن يتعاملوا به مع غيرهم، وأن يأكلوه منهم ومن غيرهم، وكذبوا على الله، وقالوا، إنما حرم أن نعامل به فيما بيننا، وأما من أحل السبت من النصارى ومن المسلمين ومن غيرهم فلا يحرم الربا معهم ومنهم، وأنهم حلال المال والدم لإحلالهم السبت، وجملة قد نهوا حال من الربا أو من الهاء { وأكلهم أموال الناس بالباطل } بالرشا ودعوى حل المال بإحلال السبت وبتحريف التوراة لفظا أو تفسيرا، أو الزيادة فيها والنقص، وتحليل الحرام وتحريم الحلال، وكتم الحق والسرقة والغش { وأعتدنا } عطف على حرمنا { للكافرين } المصرين { منهم } لا لمن تاب كعبد الله بن سلام من الصحابة، وكعب الأحبار من التابعين { عذابا أليما } على تلك الأفعال وارتكاب النهى، وفى الآية دليل على أن النهى المجرد للتحريم، لأنه قال لهم: لا تفعلوا فعاقبهم بمجرد مخالفة هذا القول.

[4.162]

{ لكن الراسخون } الثابتون { فى العلم منهم } كعبد الله بن سلام وأصحابه كأسيد وثعلبة، وفيهم نزلت الآية، كما قال ابن عباس، وقد ذكرت منهم جملة فيما مر { والمؤمنون } منهم، بأن آمنوا وصح إيمانهم دون أن يكونوا فى رقبة من اتصف منهم بالرسوخ فى العلم، أو المؤمنون المهاجرون والأنصار وغيرهم ممن آمن وصح إيمانه مطلقا، او الراسخ والمؤمن ذات واحدة، أى لكن المتصفون بالرسوخ فى العلم والإيمان { يؤمنون بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة } أى واذكر المقيمين ولا تنسهم أو أعنى المقيمين، أو يتعلق بمحذوف، أى يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين على أنهم الأنبياء، قيل على إقامتها هى إشعارها، بين الناس، أو على أنهم الملائكة، وقد قال الله، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يخلو نبى عن إقامة الصلاة، وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة، أولئك وإلى المقيمين، وهم الأنبياء، وقيل: وبدين المقيمين، أو لكن الراسخون فى العلم منهم، ومن المقيمين، فإنه ربما عطف على الضمير المجرور المتصل بلا إعادة جار، وقد قيل بجوازه مع الفصل كما هنا، كما جاز مع الفصل فى العطف على الضمير المرفوع المتصل المفصول، وقرأ مالك ابن دينار وعيسى الثقفى والجحدرى بالواو، كما فى مصحف ابن مسعود { والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر } مبتدأ أو معطوف عليه، وذلك عام خبره قوله تعالى { أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما } أو عطف على واو يؤمنون، أو على الراسخون، وخبر الراسخون أولئك الخ وما بينهما معترض، والأجر العظيم الجنة، لجمعهم بين الإيمان والعمل الصالح واجتناب المحرمات، وصف الله تعالى مؤمنى أهل الكتاب بالرسوخ فى العلم، وبالإيمان بكل ما يجب الإيمان به وإيتاء الزكاة.

[4.163]

{ إنآ أوحينآ إليك كمآ أوحينآ إلى نوح والنبيين من بعده } احتجاج على أهل الكتاب بأن امره فى الوحى كسائر الأنبياء، ولا يلزم نبوة إلا بإنزال الكتاب جملة كما أنزلت التوراة، فهذه جملة أنبياء أقررتم بنبوتهم وما أنزل على أحدهم كتاب، والأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، عن كعب ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والكتب نزلت قبل القرآن على شيث وموسى وداود وعيسى، فقيل: إن الإنجيل والزبور نزلا شيئا فشيئا، لا جملة، وقيل: كل الكتب نزلت جملة إلا القرآن فشيئا فشيئا، ومن ذلك صحف شيث وموسى وإدريس وإبراهيم عليهم السلام، وزاد بعض عشر صحف على نوح، وبدأ بنوح لأنه أول نبى عذب قومه بكفرهم، فهدد المشركون وسائر الكفار بهم، وقيل: لأنه أول من شرع له الشرائع، واعترض بأنه مسبوق فى ذلك، وقيل، لأنه عام لأهل الأرض مثل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،واعترض بأنه اتفاقى لا قصدى، وأجيب بأنه عمومه كاف مطلقا مع أنه مبعوث إلى الناس كلهم قبل الغرق، وذكر بعده إبراهيم لأنه أب ثالث، والثانى نوح، لأنه لم ينسل إلا أولاده، ولأبوة إبراهيم، أعاد ذكر الإيحاء وذكر عيسى قطعا لقول اليهود وقيل، قال مسكين وعدى بن زيد، يا محمد، ما نعلم أن الله أنزل وحيا بعد موسى، فنزلت الآية { وأوحينآ } أى وكما أوحينا { إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط } ظاهر فى أن أولاد يعقوب أنبياء، واتفقوا على يوسف، والظاهر أن الباقين غير أنبياء، لفعلهم ما فعلوا بيوسف، فذكرهم تغليبا له، وباعتبار أن ما أوحى إلى أبيهم موحى إليهم { وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان } خصهم بالذكر بعد العموم تعظيما لهم، فإن إبراهيم أول أولى العزم، وعيسى آخر من قبله، والباقون أشرف الأنبياء ومشاهيرهم، قيل، وبدأ بنوح لأنه أول نبى بعث بشريعة، وأول نذير عن الشرك، وأول من عذبت أمته لردهم دعوته وأول البشر لمن بعده، وأطول الأنبياء عمرا، ولم يشب، ولم ينقص له سن مع طول عمره، وطول أذى قومه، بعث الله إبراهيم، ثم إسماعيل بمكة ومات فيها، ثم إسحق ومات بالشام، ثم شعيب بن نويب، ثم هود بن عبد الله، ثم صالح ابن أسلف ثم موسى وهرون، ثم أيوب، ثم الخضر، ثم داود، ثم سليمان، ثم يونس، ثم إلياس، ثم دا الكفل، وكل نبى فى القرآن من ولد إبراهيم إلا إدريس ونوحا وهودا ولوطا وصالحا، والصحيح أن هودا وصالحا أول الأنبياء بعد نوح عليهم السلام { وءاتينا داوود زبورا } مائة وخمسين صورة تسبيح وتقديس وتحميد وثناء على الله عز وجل، ومواعظ، وليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، ونزل منجما كما فى بعض التفاسير، والمشهور أن كل كتاب نزل بمرة إلا القرآن، فعول بمعنى مفعول، أى مزبورا، أى مكتوب، كناقة حلوب، ويقال أيضا حلوبة فهو فى الأصل وصف ويجوز أن يكون فى الأصل مصدرا كقبول، أو بمعنى فاعل أى زابر، أى زاجر مؤثر، كما روى أن داود عليه السلام يخرج إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور، وتقوم علماء بنى إسرائيل، خلفه، ويقوم الناس خلف العلماء، وتقوم الجن خلف الناس والشياطين منهم خلف أهل الخير منهم، وتجىء الدواب التى فى الجبال فيقعن بين يديه وترفرف الطيور على رءوس الناس وهم يستمعون لقراءة داود ويتعجبون منها، فلما قارف الذنب زال عنه ذلك؛ فقيل، كان ذاك أنس الطاعة وعزها، وهذا وحشة المعصية وذلها.

[4.164]

{ ورسلا } منصوب معطوف على أوحينا محذوف، أى وأرسلنا رسلا، أى أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح، وفلان، وآتيناك مثل ما آتينا فلانا، وأرسلناك كما أرسلنا رسلا قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك، فما للكفرة من اليهود وغيرهم يسألونك مالم يعط هؤلاء { قد قصصناهم عليك } ذكرنا أخبارهم { من قبل } قبل هذا الوقت، أو قبل هذه السورة فى القرآن كسورة الأنعام فى مكة، قيل قصصناهم بالوحى فى غير القرآن، ثم قصصناهم فى القرآن { ورسلا لم نقصصهم عليك } جملة الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، وجملة الأنبياء، مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، ولفظ بعض أنه تعالى بعث ثمانمائة ألف نبى، أربعمائة ألف من بنى أسرائيل، وأربعمائة ألف من سائر الناس، وزعم بعض أن مقتضى هذا أن ثمانمائة ألف كلهم رسل { وكلم الله موسى تكليما } مصدر مؤكد، والمصدر رافع للمجاز من عامله ، وهو كلم، لا عن باقى الكلام، كالمسند إليه، أو الإسناد حتى لا يقبل حذف مضاف، أو تأويلا، فالكلام حقيقة، أى كلم ملك الله، أو خلق من خلقه كلاما حقيقا، أو خلق فى جسد موسى كله أو بعضه، كلاما حقيقا، أو فى الهواء كذلك، أو حيث شاء، والقرينة أن الله لا يتصف بصفة الخلق تقول، قتل زيد عمرا قتلا، فقتلا يفيد أن القتل حقيق لا ضرب وجيع، ولا يفيد أن القاتل لا بد زيد، لجواز أن يكون غلامه لقرينة تنصب كقرينة الآية، وهو أنه تعالى لا يتصف بصفة الخلق، ولو لم ينصب قرينة على أنه ضرب وجيع، وعلى ما ذكرت يحمل قول القرآن إن العرب تسمى ما وصل إلى الإنسان كلاما بأى طريقا وصل، ما لم يؤكد بالمصدر، وإن أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام، قلت: أى فلا يقال، أراد الحائط أن يسقط إرادة، فكذا هنا لما أكد كلم بتكليما علمنا أنه كلام حقيق إلا أنه لم يتصف به الله، بل غيره، فيقول الخصم فأين الخصوصية لموسى بالكلام إذا كان المعنى ما ذكرتم، فنقول: لم يقع خلق الكلام فى الهواء أو نحوه مما ذكر على طريق الوحى، إلا له، لكن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أوتى ما أوتى موسى وزيادة، فتكلم ما خلق الله فيه الكلام تكلما؛ فلا يرد عليه أن التكلم بمعنى خلق الكلام مجاز، فليس كلم فى الآية بمعنى خلق الكلام بل بمعنى تكلم مخلوقه وهو الملك مثلا، لكن قد تأكدا المجاز فى قوله:

بكى الخز من عوف وأنكر جلده

وعجت عجيما من خدام المطارف

والمطارف نوع من الثياب، ويجاب بأن البيت من المجاز الملحق بالحقيقة لتناسى التشبيه، حتى إن طائفة من أهل البيان يعدون الاستعارة حقيقة لغوية، ولا شك أنها مبنية على التناهى التشبيه، وأما نحو المسند إليه فإنه يرفع التجوز عنه بنحو العين والنفس وكل، ونحو كلمة الله نفسه أو بذاته، ولا يقال هذا.

ناپیژندل شوی مخ